عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وقبل عرض الجواب أود الإشارة الى أمر واستميح العذر منكم في لفت نظركم الى أن القضايا التاريخية لا يصح وصفها بالمنطقية وعدمه إلا إن كان فيها ما يخالف البداهة أو الفطرة بمعنى: بعدها عن طبيعة البشر ومعه فكل الأسئلة التي تثار بخصوص المقام و تعنون ب كلمة" هل يعقل" او أريد "جواباً منطقياً "لا يكون استخدام هذا المصطلح حينئذٍ في محله.
إن اتضح ذلك نقول:
أولا: ان حادثة التهديد بالإحراق كما هي موجودة عندنا في مصادرنا فهي موجودة في مصادر القوم أيضا.
ثانيا: إننا كشيعة إمامية نعتقد أن الزهراء عليها السلام قد أحرق بيتها وكسر ضلعها وأسقطت جنينها، بل ذهب بعض أعلامنا الى كون هذه الحادثة أصعب من حادثة كربلاء لان حادثة الباب هي أصل يوم العذاب.
وهاهنا ولأن البحث طويل نحيلكم الى كتاب العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي "مأساة الزهراء".
ثالثا: إن تصرف الامام عليه السلام كان من منطلق حفظ الاسلام و إعلاء رايته و صيانته لأنه كما يذكر سماحته( قدس):
إذا كان في بيته وحده وكان المهاجمون جماعة كثيرة، وكانت هذه هي حالتهم، فإن أسلوب الموعظة، والإستدلال لن يردهم عنه، بل سيكون رده عليهم ـ في هذه الحال ـ منحصراً باستعمال السيف، الذي يستتبع إراقة الدماء.
وحصول ذلك في خصوص هذا الوقت، سيجعل الكثيرين من المنافقين الذين تحدث عنهم القرآن، بقوله: ﴿ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ... ﴾ سيجعل هؤلاء ينغضون رؤوسهم، ويثيرونها فتنة عمياء شوهاء لا تبقي ولا تذر.. وسيؤدي ذلك: إلى ارتداد الكثير من الناس، بل أكثرهم، لأن عامة الناس إنما دخلوا في الإسلام حديثاً، أي قبل شهر أو أشهر أو سنة (أي في سنة الوفود)، وهي السنة التاسعة، ثم في العاشرة من الهجرة، حيث استشهد رسول الله «صلى الله عليه وآله»..
وقد أوضحت ذلك: كلمات علي «عليه السلام» في نهج البلاغة وفي غيره..
كما أنه «عليه السلام» قد ذكر: أنه لو قام بالسيف، فلن يجد من الناس النصرة الكافية، وسيقتل هو ومن معه..
ولأجل ذلك قال في الخطبة المعروفة بـ «الشقشقية»: «وطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذاء، أو أصبر على طخية عمياء، يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه، فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى، فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجاً، أرى تراثي نهباً الخ..».
فالقضية إذن ليست قضية بطولة وشجاعة شخصية، وإنما هي بصيرة، وشعور بالمسؤولية تجاه الدين وأهله، وحفظ للناس من الإرتداد، وقطع الطريق على المنافقين حتى لا يصطادوا في الماء العكر. فإن الشجاع ليس من يثور إذا غضب، بل الشجاعة هي أن يملك الإنسان غضبه. ولا ينساق معه، بل يفكر بالعواقب، ويتبصر بالآثار والنتائج..
ولأجل ذلك: أوصاه رسول الله «صلى الله عليه وآله» بالصبر مع عدم الناصر..
رابعا: و هذا الكلام لعله يكون جواباً عن سؤالكم
وهو ما ذكره سماحته بمكان ثان حول قضية المبايعة فقال:
والصحيح هو: أنه «عليه السلام» كان مصيباً أولاً حين لم يبايع، ومصيباً حين أجبر على البيعة بعد ذلك..
ويقول الشيعة: إن امتناعه «عليه السلام» أولاً كان من أجل أن يعرف الناس بأن الحق له، وبأن هؤلاء يريدون أخذ حقه منه، وهذه مصلحة كبرى لا بد له من مراعاتها، فلما ثبت ذلك للناس جميعاً.. ولم يكن هناك مصلحة في قتالهم، اكتفى بممانعتهم حين تكاثروا عليه، ومسحوا على يده.. وإنما لم يقاتلهم بالسيف، لأنه لا يريد أن يعرض الإسلام للخطر..
3 ـ لو قلنا: إنه «عليه السلام» قد امتنع ستة أشهر ثم بايع، فلماذا لا يقال: إن حال علي «عليه السلام» كان كحال النبي «صلى الله عليه وآله»، فإنه حارب قريشاً، وكانت المصلحة في الحرب، ثم تبدلت الأمور فبادر إلى الصلح معها وكان هو المصلحة..
وكان النبي «صلى الله عليه وآله» مصيباً في جميع الأحوال، وكذلك علي «عليه السلام»
5 ـ إنه «عليه السلام» قد أكد صحة قول معاوية عنه: إنه قد أكره على البيعة، حيث كتب «عليه السلام» إليه يقول:
«وقلت: إني كنت أقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتى أبايع، فلعمري، لقد أردت أن تذم فمدحت، وأن تفضح فافتضحت. وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوماً ما لم يكن شاكاً في دينه» 5.
6 ـ وأخيراً.. فإننا نقول: لو لم يكن في حق علي «عليه السلام» إلا قول رسول الله «صلى الله عليه وآله»: علي مع الحق، والحق مع علي يدور معه كيفما دار.. لكان ذلك كافياً لنا ولكل المسلمين في الهداية إلى الحق..
والحمدلله رب العالمين
والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين
المصادر:
جواب السيد جعفر مرتضى العاملي على شبهة تحت عنوان: علي لا يدافع عن زوجته!