وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وبعد فإننا أشرنا فيما مضى ونعيد ونكرر أن البحث السندي يختلف حاله في مثل هذه الأبحاث عن البحث الفقهي
وحتى عند الفقهاء فقد وقع الاختلاف فيما بينهم في الميزان الرجالي للأخذ بالرواية بين تقييده بمقطوع الصدور أو المحتف بالقرائن القطعية أو الثقة أو الوثوق والعمل بالمشهور على تفصيلاته وحالاته بين الاعراض الكاسر او العمل الجابر والى ما هنالك من المباني الرجالية والأبحاث السندية التي هي أبحاث تخصصية لها مجالها ويختلف من مدرسة الى أخرى معيارها.
وكيف كان فإن الرواية المذكورة موجودة ونقلت في كتب مشهورة كالبحار والخصال فهي تصرّح بوجود خلق قبل خلقنا وبوجوده بعد خلقنا وقد أجابت الرواية عن أسئلتكم فإليك بيانها:
فقد اورد العلامة المجلسي في بحار الأنوار : 8 / 374:
عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ـ أي الإمام محمد بن علي الباقر ـ ( عليه السلام ) عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : { أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ } ؟
فَقَالَ : " يَا جَابِرُ تَأْوِيلُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ إِذَا أَفْنَى هَذَا الْخَلْقَ وَ هَذَا الْعَالَمَ وَ أَسْكَنَ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَ أَهْلَ النَّارِ النَّارَ ، جَدَّدَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَالَماً غَيْرَ هَذَا الْعَالَمِ ، وَ جَدَّدَ خلق [ عَالَماً ] مِنْ غَيْرِ فُحُولَةٍ وَ لَا إِنَاثٍ يَعْبُدُونَهُ وَ يُوَحِّدُونَهُ ، وَ خَلَقَ لَهُمْ أَرْضاً غَيْرَ هَذِهِ الْأَرْضِ تَحْمِلُهُمْ وَ سَمَاءً غَيْرَ هَذِهِ السَّمَاءِ تُظِلُّهُمْ ، لَعَلَّكَ تَرَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ إِنَّمَا خَلَقَ هَذَا الْعَالَمَ الْوَاحِدَ ، وَ تَرَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَمْ يَخْلُقْ بَشَراً غَيْرَكُمْ !
بَلَى وَ اللَّهِ لَقَدْ خَلَقَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى أَلْفَ أَلْفِ عَالَمٍ ، وَ أَلْفَ أَلْفِ آدَمٍ أَنْتَ فِي آخِرِ تِلْكَ الْعَوَالِمِ وَ أُولَئِكَ الْآدَمِيِّينَ "،
وهذه الرواية قد يظهر منها المعارضة مع رواية سبقتها في البحار مفادها انه قد خلق الله عز وجل في الأرض منذ خلقها سبعة عالمين ليس هم من ولد آدم...
الا انه في التعليقة على الكتاب أفادوا حلا بشكل لطيف بالبيان التالي :
لعل المراد من الحديث الأول على ظاهره أن الله تبارك وتعالى خلق في أرضنا هذه قبل خلق آدم وولده سبعة أمم من نوع الانساني أوجد كل أمة بعد انقراض أمة أخرى وفنائها فيكون ساكنو الأرض من ابتدائها إلى الان ثمانية طبقات وأمم، ومن الحديث الثاني أن الله تعالى خلق غير هذه الأرض ألف ألف عالم وكرات يسكنها ألف ألف أمم، فعليه لا معارضة ولا تضارب بين الحديثين، وبالحديث الأول تنحل عويصة بداية العالم وما يورد على الدينيين من أن علم الجيولوجيا أي علم الطبقات الأرضية يخالف معتقدكم من بدء العالم وتاريخ أول إنسان وجد على الأرض وهو آدم فأنتم تحسبون أنه قبل نحو ستة آلاف سنة ونحن وجدنا جماجم الانسان وغيرها من عظام الانسان والحيوانات تحاكي عن وجودها قبل تلك السنة بكثير، والحديث يدفع الاشكال بأن آدم لم يكن أول خليقة بل كان قبله طبقات متعددة من الأمم، ومن الحديث الثاني يستفاد أن الله تبارك وتعالى خلق غير أرضنا عوالم متعددة متكثرة، وأن ما كانوا يظنون قبلا من أن سائر الكرات غير معمورة وغير مسكونة للانسان والحيوان غير صحيحة بل سائر الكرات معمورة ومسكونة وأن لله تعالى ألف ألف عالم و ألف ألف آدم...
والحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين