وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
لا شك في أنّ جملة من الأمور لم تقع تحت اختيار الإنسان وإرادته من قبيل تقدير تكوينه من الطول واللون والشكل بل انه لم يختر أبويه أيضًا، ومن الأمور التي لا اختيار له فيها هي أصل وجوده في عالم الدنيا والاختبار، فان ذلك من مشيئة الله تعالى.
هذا بمعزل عن أنه كان موجودا قبل الدنيا أم أنّ وجوده محدّد من حيث المبدأ بها، فان المثبتين لعالم الذر يرون أنّ ما اخذ من الإنسان في ذلك العالم هو ميثاق العبودية والربوبية، ولا يتعرضون لقضية أن وجود الإنسان في الدنيا كان من جملة ما عرض عليه فاختاره.
على أن تفسير قوله تعالى " وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنۢ بَنِىٓ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُواْ بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَآ ۛ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَٰافِلِينَ}، بعالم الذر بمعونة الروايات بمعنى أنّ الله تعالى فرّق، قبل الدنيا، ذراري آدم نطفا وكانوا عاقلين مدركين مختارين هو أول الكلام، فان هناك من ذهب الى أنّ الآية المباركة بصدد الحديث عن ميثاق العبودية التكوينية الذي يشهد به الإنسان في عالم الدنيا بمقتضى ضعفه وفقره وحاجته فلا وجود له قبل الدنيا. وقد ذهب العلامة الطباطبائي الى قول ثالث في تفسير عالم الذر أو في بيان معنى الآيات نُعرض عن ذكره لما يستلزمه من التطويل ويحتاجه من قريحة وصفاء ذهن وتقديم مقدمات، كما يشير العلامة نفسه، ليتيسر فهمه وانقداح المراد منه. ومن أحب فليراجع: تفسير الميزان ج ٨ ص ٣٠٦.
دمتم موفقين لكل خير