وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
إن سرّ القدرة على تغيير الآخر والتأثير فيه هو الخوض في ميدان التغيير على المستوى الشخصي، فالميدان الأساس المطلوب من الإنسان أن يغيّره أولا هو نفسه التي بين جنبيه، فإن استطاع تغييرها كان على غيرها أقدر، وإن أعجزته فهو عن غيرها أعجز، وبالتالي فإنَّ دوام تهذيب الأهل لأنفسهم ومحافظتهم على ضوابط الأخلاق والدين هو أول مدد علمي وعملي في سبيل تربية أولادهم، وإن كثيرا من أُسُسِ تسهيل المطالب التربوية ينشأُ من التجارب العملية للفرد، فالانسان الذي استطاع أن يتخلص من صفة مذمومة في نفسه، سوف يقدر على توصيف هذه العملية ونقل تجربتها الى الاخرين، بعيدا عن أي اختلاق لمصطلحات علمية أو نقل لكلمات يعجر عن تفسيرها، وسيكون أقرب إلى الواقع من العديد من الكتب في هذا المجال "أعني مجال التهذيب العملي".
ثم اعلم عزيزي السائل، أنّه لما كانت إرادة الله تعالى هي تكميل الإنسان، جاء هذا الدين ليرسم لنا هذا الكمال وطريقه، والفرصة الوحيدة لذلك هي هذه الحياة التي نعيش فيها، فإن كنا نريد تقوية رابطة أبنائنا بهذا الدين الحق، فعلينا أن نبتكر كل وسيلة ممكنة لأجل ترسيخ شعورهم بأهمية الاهتمام بنفوسهم وارتباط ذلك بكل ما سيجري عليهم في الحياة الدنيا والاخرة، وإنَّ مجالات التكامل في هذه المرحلة العمرية متاحة ولها ما يتناسب معها من حب العمل الصالح والعلم والتواصل الايجابي، وقد تجد العديد من الكتب المختصة التي تذكر أسس تربية الأطفال دينيّا مما لا يسع نقلها بهذا المختصر، إلا أننا يمكن أن ننقل لك أكثر مسألة ينبغي جعلها نصب العين وهي مسألة الحفاظ على كرامة الطفل، بحيث لو دققت النظر فإنّك ستقدر على أن تقف على العديد من العناوين التي تندرج تحت هذه المسألة:
فمثلا لما كانت القاعدة هي الحفاظ على كرامة الطفل كي يتفاعل مع نفسه بطريقة صحيحة ولا يكرهها او يستحقرها او يشعر بالنقص بسبب اهانته، نعلم عندها جيدًا أنَّ التغاضي عن الخطأ مطلوب، وأنّ التعريض بدل التصريح مطلوب، وأن كلَّ سؤال مقبول من الطفل يجب تقبله، وغيرها من المواقف التربوية التي يجب أن تصدر تحت مظلة الحفاظ على كرامة الطفل، كي ينتقل إلى مرحلة التعلم بصحة نفسية، فقد ورد عن رسول الله(ص) أنه قال (أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم)، اذن، فأي منهاج تربوي يجب أن يقوم على قاعدة تكريم الأبناء والذي يعني إضفاء الكرامة على شخصيتهم ووجودهم، فعلى الكبار نقل الصغار إلى الكرامة الإنسانية كي لا يستخفوا بنفوسهم وتهون عليهم، فيكون ذلك فيما بعد سببا لارتكابهم الذنوب والابتعاد عن طريق التقوى.
تقبل الله اعمالكم وبارك الله حرصكم على الاهتمام بهذه الجوانب المعرفية، ويبقى أنّه كما ذكرنا لا يسعنا في هذا المختصر من الكلام الإلمام بكافة المبادئ التي ينبغي الالتفات إليها في مقام التربية، وعليه لا نتوقع من قصار هذه الكلمات أن ترويَ ظمأ سؤالكم، لذا ننصحكم بالاطلاع على بعض ما كتب تفصيلا في هذا مجال مثل:
1- تربية الطفل دينيا واخلاقيا للدكتور علي القائمي.
2- الطفل بين الوراثة والتربية، لمحمد تقي الفلسفي.