وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
إن الوقوف على الأبعاد المعرفية من اقتران العزيز بالحكيم متوقف على موارد هذا الاقتران، ولتوضيح ذلك نذكر لك بداية المعنى اللغوي لكلا المفهومين.
فمعنى العزيز في اللغة من فعل عزَ يعزُ وهو الغالب القوي الذي لا يقهر، منيع الجانب، وهو الذي لا مثيل له ولا مشابه له، ولا نظير له وهو النادر الذي يقل وجوده والعزيز من له العزة، فالعزيز بمعنى الغالب القاهر، أو ما يمتنع الوصول إليه.
أما الحكيم فهو المتصف بالحكمة، أي الذي يضع الشيء في موضعه المناسب، فالحكيم لا يدخل تدبيره خلل ولا زلل وأيضًا قيل بأنَّ الحكيم هو الذي له الحكم.
وقد ورد اسم (العزيز) مقروناً باسم (الحكيم) في سبعة وأربعين موضعاً من كتاب الله عز وجل، ولا يخفى لما في اقتران العزة بالحكمة من ابعاد معرفية، فلو تصورت عزيزا منيع الجانب له القدرة على ما يشاء فإنَّ اخوف ما يكون منه هو الظلم وأن تأخذه العزة بالاثم، فكم من ملوك الارض الذين بعدما اعتزوا بما حظوا به من سلطان ظلموا وعتوا وجاروا واصدروا أوامر عبثيّة لا طائل ولا منفعة منها، فإن العزيز قد يعزب عن تدبير أمور غيره لأنه منيع الجانب، وقد يُخاف من ظلمه وعبثه.
ولكن هذا حال العزة الوهمية التي يعيشها ضعاف النفوس من الناس، أما الله تعالى فإنه مع عزته حكيم، فلا يأمر عبثا ولا يرتفع بعزته عن علمه بحاجة غيره وافتقارهم إليه، فهو عزيز معطاء لا يحتجب عن خلقه ولا يمنع فيضه عن عباده.
ونستطيع إن تأملنا بالموارد المختلفة التي اقترنت فيها العزة مع الحكمة أن نتوصل إلى فهم بعض الأبعاد التي لا يبعد أن تكون مرادة – ولكن لا نحتم ذلك -، فمثلا في قوله تعالى ((وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) ربما بعض الناس وخاصة من النساء من قد يستنكرن هذه الدرجة والقوامية ويشق عليهن هذا الحكم من الله سبحانه وتعالى، فنجد أن الله ختم الآية بالعزيز الحكيم، ربما ليلفت النظر إلى أنه تعالى لا يطاله أي اعتراض أو منع، ومع ذلك فإن ما يشرّعه الله فيه حكمة ومصلحة، أو ليلفت نظر الرجل إلى أن هذه الدرجة إن كانت بنظره فيها عزة فعليه أن يعلم أنه يجب أن يكون حكيما ولا تأخذه العزة بالاثم، فالله عزيز حكيم.
ونجد في سورة المائدة يقول الله سبحانه وتعالى: ((وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) فربما بعض الناس قد يشق عليهم هذا الحكم من الله وربما يتهمون الإسلام بالعنف والوحشية، والله يعلم أن هناك نفوسا ضعيفة كنفوسنا فربما هنا قد نستفيد من اقتران اسم العزيز الحكيم بأن نتذكر لتطمئن نفوسنا بأن هذا الحكم لا يصدر عن عبث وعزة محضة وإنما فيه من الحكم والغايات الحميدة ما فيه.
لذا في الاجابة عن السؤال الاول، فإنه يمكن أن تحمل كل آية أبعاد معرفية معّينة مختلفة عن الآية الأخرى في اقتران العزة بالحكمة.
أما بالنسبة إلى اعتماده كتسبيح فقد يكون من أبعاده المعرفية التي تُلَّقِنُ بها نفسك أنك إن أصبت بمكروه أو سُلِّط عليك ظالم، فإنك عندما تلقن نفسك باستمرار أن الله هو العزيز القوي الذي لا يُغلب أمره ولا يُهزم جنده وهو منيع الجانب، ستعلم يقينا بأنَّ هذا المخلوق لا شيء وأنه موجود تحت قهر الله وسلطانه، فلن تضعف أمامه لأنك تعلم أنه ضعيف مثلك والله هو القوي الذي لا يغلب فلا تتجرأ على مخالفة الله بالجزع، بل تصبر لعلمك بأن الله أقوى منه، وإن أضفت إلى هذا الإسم اسم الحكيم علمت يقينا بأن هذا الظالم لم يُسلط عليك إلا لغاية محمودة يعلمها الله، فلن تنزعج نفسك بهذا الأمر، بل ستكون مطمئن القلب والبال. ولسنا هنا في مقام تبرير الظلم للظالم والعياذ بالله، بل في مقام الإشارة إلى حكمة البلاء الذي يصيب المؤمن وكيفية التعاطي معه، لذا إن تذكرت دائما أن الله عزيز حكيم لن يشق عليك شيء بعدها مهما حدث، وبالمقابل مهما نجحت ووصلت وملكت فإنك ستعلم أن العزيز المطلق هو الله سبحانه وتعالى وهو يستطيع بلحظة أن يُذِلَّك بعد عِزِّك، فيجب عليك أن تفكر بحكمة وأن تدير قواك النفسية انطلاقا من هذه الصفة كي تحافظ على العزة المحمود، فآفات العزة لا يقضي عليها سوى الحكمة.
ويبقى أنَّ فهم معاني القرآن الكريم، وخصائص الأسماء والصفات لا ينالها إلا المطهرون، وإنما نحن متعلمون على سبيل النجاة.
والله أعلم.