عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أمّا عدم ذكر اسم داوود (عليه السلام) إلا لاحقًا فإنّ سببه أنّ داوود ليس هو النبيّ الذي طلب منه الملأ أن يبعث الله لهم ملكًا ليقاتلوا في سبيل الله. فقد روي أنّ النبيّ هو إرميا (عليه السلام) [راجع: البرهان في تفسير القرآن، ج1، ص506]، وروي أنّه إشموئيل (عليه السلام). والله تعالى أبهم ذكرَه، فلنبهم ما أبهم الله. وإنّما كان داوود (عليه السلام) جنديًّا من جنود ذلك الجيش.
وسننقل القصّة كما ذكرها السيد عباس الموسوي (حفظه الله) في كتابه الأصدق في قصص الأنبياء. "قبل بدء المعركة كان هناك شيخ كبير في السنِّ له أربعة أولاد في جيش طالوت... كانوا من الناجحين في الاختبار وقد اجتازوا الامتحانات العسيرة ووقفوا في المواجهة... صنع أبوهم طعامًا ثم أرسله مع أخيهم الصغير داود الذي تخلّف عنهم لرعي الغنم بأمر من أبيه الشيخ الكبير...
خرج داود إلى حيث يحشد طالوت جيشه يحمل معه طعام إخوته ومقلاعه الذي يرمي به الأحجار ليردَّ غنمه أو ليردَّ عنها عادية الحيوانات المفترسة...
إنّ داود كان يعيش إلهاماً حيّاً، إنّ على يديه سيكون قَتْلَ عدوّهم جالوت... قد عاشت هذه الفِكرة في ذهنه ونمت في قلبه منذ أن توجّه إلى ساحة المعركة حاملاً الطعام لإخوته... ربما رأى بعض الآيات الكونية... وربما أوحي إليه هذا المعنى... ربما رأى رؤيا صادقة... المهمّ أنه دخل ساحة المعركة وهو مصمّم على قتل جالوت، رأس الأعداء وطاغوتهم...
لقد قُرعت طبول الحرب، بل لم يبق إلا لحظات معدودة لخوض المعركة، توجه عندها المؤمنون إلى الله و﴿قَالُواْ رَبَّنَآ أَفۡرِغۡ عَلَيۡنَا صَبۡرٗا وَثَبِّتۡ أَقۡدَامَنَا وَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ﴾[1]...
إنها ساعات صعبة يجب أن يعيد المؤمن تلاحمه مع الله ويجدّد ثقته به ويناشده أن يزوده بالصبر والثبات والثقة بالنفس... في تلك الأوقات التي يرفع المؤمنون أصواتهم بالدعاء إلى الله يبرز جالوت بلامة حربه وسلاحه متحديّاً بني إسرائيل طالباً منهم من يبرز إليه للقتال... إنه موقف التحدّي يحتاج إلى الكفئ المماثل، فربما كانت هذه الضربة هي التي تغيّر موازين الربح والخسارة... تهيّب بنو إسرائيل من هذا الموقف الصعب وتهامسوا فيما بينهم مَنْ لجالوت؟ فلم يسمعوا إلا الفتى داود يستجيب لندائه وينهض أمام طالوت، ويستأذن بالنزول إليه... تحاشى طالوت أن يبعث هذا الفتى الغضّ، اليافع، فأصرَّ داود على النزال، مُطَمْئِناً القائد طالوت أنه سينتصر على جالوت ويقتله...
نزل داود إلى ساحة المعركة وبمجرد أن تمكّن من رؤية جالوت أخرج مقلاعه ووضع في حجراً. ثم قذفه مستهدفاً جالوت فإذا به يصيب رأسه ويقضي عليه بتلك الإصابة، وما إن رأى أتباعه سقوطه حتى انهارت معنوياتهم وانهزموا بقتل قائدهم وتمَّ النصر لبني إسرائيل ﴿فَهَزَمُوهُم بِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُۥدُ جَالُوتَ﴾[2]...
هلّل بنو إسرائيل للبطل الصاعد الذي قضى على جالوت... لقد ارتفع نجم داود وذاع صيته وانتشرت أخباره بين الناس حتى عرفته النساء والصبيان...
أصبح داود مقرّباً من المَلِك طالوت وكلّما تقدّم الزمن كلما برهن داود عن كفاءته لقيادة الجيش وتدبير أمور الرعية... كان يتمتّع بقدرة فائقة على تنظيم ذلك المجتمع حتى إذا مات طالوت تعيّن داود تلقائياًَ مَلِكاً على بني إسرائيل، ثم أرسله الله نبياً لهداية هؤلاء الضالين عن سبيله، فاجتمعت له النبوّة مع المُلْكِ ﴿وَءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ ٱلۡمُلۡكَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَعَلَّمَهُۥ مِمَّا يَشَآءُۗ﴾[3] إنها نِعَمُ الله متى وَجِدَت القابلية في أحدٍ كانت من حظّه ونصيبه وقد أعطى الله داود هذا الفضل لاستحقاقه وقابليته وصدقه...".
وأمّا الإشارات القرآنيّة فمن الممكن جدًّا أن تستثمر قصص القرآن كلها في عصر ظهور الحجّة (عليه السلام). فليُتدبّر.
دمتم موفقين لكل خير
***
[1] سورة البقرة، الآية 250.
[2] سورة البقرة، الآية 251.
[3] سورة البقرة، الآية 251.