نسمع في المجالس ان النبي نهى ابنته الزهراء حين احتضاره عن قول ابي طالب: (وأبيض يستسقى الغمام بوجهه)..وقال لها قولي وما محمد الا رسول...الاية
فهل هذه الحادثة صحيحة
وكيف نفسر نهي النبي لها
وشكرا لكم
تاريخ اليوم
تاريخ اليوم:
تاريخ اليوم
اللغة:
حجم الخط:
الوضع الليلي | النهاري
brightness_autoتاريخ اليوم:
تاريخ اليوم
اللغة:
حجم الخط:
الوضع الليلي | النهاري
brightness_autoوعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
إنّ هذا البيت من الشعر قد قاله أبو طالب في لاميته المشهورة:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه **** ثمال اليتامى عصمة للأرامل
وقبل الاجابة عن السؤال يمكن لنا التعرض لامور تخطر بالبال، وحتما لها دخالة في فهم الكلام ولذا فقد أشر اليها الأعلام منها:
اولا: تفسير البيت
ثانيا متى قيل و لمن قيل
ثالثة نتعرض للإجابة عن للسؤال الذي ذكرتموه
الأمر الاول: تفسير البيت
فقد كفانا في شرح أصول الكافي - مولى محمد صالح المازندراني - ج ٧ - الصفحة ١٨٣ مؤونة البحث فقال [قوله (وابيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل) البياض أحسن الألوان ولذلك يوصف به كل محسن ويجعل كناية عن الأفعال الحسنة. والغمام السحاب، والثمال بالكسر، الغياث يقال: فلان ثمال قومه أي غياث لهم وقائم بأمرهم، والعصمة المنعة والعاصم المانع الحامي كذا فسره ابن الأثير في النهاية، ثم قال: ومنه شعر أبي طالب «ثمال اليتامى عصمة للأرامل» أي يمنعهم من الحاجة والضياع، والأرامل جمع الأرملة وهي المرأة التي مات زوجها وهي فقيرة محتاجة، والمراد به أنه (صلى الله عليه وآله) أبيض الوجه وجواد يطلب السحاب ماء بماء وجهه والبواقي ظاهرة].
ثانيا متى قيل و لمن قيل
يذكر العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى( رحمه الله) في كتابه الصحيح قائلاً:
وقد ذكر الشهرستاني: أنه لما أصاب أهل مكة ذلك الجدب العظيم، وأمسك السحاب عنهم سنتين أمر عبد المطلب ولده أبا طالب أن يحضر المصطفى «صلى الله عليه وآله»، وهو رضيع في قماط، فوضعه على يديه، واستقبل الكعبة، ورماه إلى السماء, وقال: يا رب، بحق هذا الغلام.
ورماه ثانياً وثالثاً، وكان يقول: بحق الغلام، اسقنا غيثاً مغيثاً، دائماً هاطلاً.
فلم يلبث ساعة أن طبق السحاب وجه السماء، وأمطر حتى خافوا على المسجد.
وأنشد أبو طالب ذلك الشعر اللامي، الذي منه:
وأبـيـض يستسقى الغـمام بوجهه ثــمال اليتـامى عصمـة للأرامــل
ثم ذكر أبياتاً من القصيدة.
ولكن من يلاحظ لامية أبي طالب يجد أنها تشير إلى أحداث وقعت بعد نبوة رسول الله «صلى الله عليه وآله».. الأمر الذي يدل على أنه رحمه الله لم ينظمها دفعة واحدة، بل هو قد نظم بعض مقاطعها في زمن أبيه عبد المطلب، ثم أتمها في أزمنة لاحقة، بعد بعثة رسول الله «صلى الله عليه وآله».
ابو طالب يستسقى بالرسول ثلاث مرات
هذا.. وقد روي: أن أبا طالب استسقى برسول الله «صلى الله عليه وآله» أيضاً في صغره، لما تتابعت عليهم السنون، فأهلكتهم، فخرج به «صلى الله عليه وآله» إلى أبي قبيس، وطلب السقيا بوجهه، فسقوا، فقال يمدحه «صلى الله عليه وآله»:
وأبـيـض يستسقى الغـمام بوجهه ثـمال اليتــامى عصمـة للأرامـل.
والظاهر: أنه كرر إنشاد هذه الأبيات، بعد أن كان قد قالها حين استسقاء عبد المطلب
الأمر الثالث ( وهو محل السؤال)
وردت رواية في البحار جاء فيها ان النبي "ص" نهى الزهراء ان تقول ذلك
فأكبت فاطمة (عليها السلام) تنظر في وجهه وتندبه وتبكي وتقول:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل ففتح رسول الله (ص) عينه وقال بصوت ضئيل: يا بنية هذا قول عمك أبي طالب لا تقوليه، ولكن قولي: " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم "
اما من جهة كون الحادثة صحيحة فقد شكك غير واحد بسندها معتبرا انه لم تثبت صحة هذه الرواية الا اننا هنا نشير الى امر وهو ان مراعاة السند في ابحاث السيرة له حيثيات تختلف عما يذكره الفقهاء في ابحاثهم فلا تشدد بالاسانيد كثيرا طالما لم تتافي صريح القران او الروايات المعتبرة .
وثانيا: لم يکن نهي النبي (ص) علی تقدير تسليمه لأجل أنه لم يقبل کلام وشعر عمه أبي طالب (ع) فإن هذا البيت يشتمل علی مدح وکرامة ومعجزة للنبي (ص) وقد استشهد به النبي (ص) في بعض المواضع حيث استسقى لقومه فنزل المطر فقال: رحم الله عمي ابوطالب لو کان حيا لکان يقول: (وابيض يستسقي الغمام...).
وهنا نذكر وجوها لنهي النبي( ص):
اولها : ان نهي النبي (ص) لابنته فاطمة (ع) عن تکرار هذا البيت هو لأجل كونه لا يحب أن يمدح وتذکر فضائله وهو يتهيأ للقاء ربه فکأنما اراد القول لها بنية لا تمدحيني وانما اقرأي القرآن الذي هو کلام الله لکي ارتاح إلی سماعه فإنه به تطمئن القلوب وتسكن النفوس.
ثانيها : لعله (ص) نهى سيدتنا الزهراء( ع) واختار هذه الآية لکي يشير إلی ما يحدث من بعد وفاته من ارتداد القوم وانقلابهم علی أعقابهم (أفإن مات او قتل انقلبتم علی اعقابکم). او فقل إنّ قراءة الآية لها بكاملها كان بمثابة التنبيه لها لما يحدث قريباً و ما سيحصل من الارتداد والإنقلاب الذي حصل بالفعل .
ثالثها: يمكن القول ان هذا البيت قد احتوى على معجزة من معاجزه (ص) فربما نهى الزهراء (ع)عنه مخافة أن يحصل لدی السامعين الغلو فيعتقدوا الالوهية فيه خصوصا في هذه الظروف الحساسة التي كانت تمر على العباد و البلاد في ظل شدة تعلق المسلمين بالنبي (ص) فکانوا مستعدين للغلو فيه فإنشاد مثل هذه الابيات کان يدعوهم إلی الغلو ولأجل ذلك جاء الأمر لسيدتنا فاطمة أن تقرأ الآية الکريمة: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم علی أعقابکم) حيث تدل الآية علی أنه بشر يموت أو يقتل ويکون کسائر الانبياء والرسل.
رابعها: يحتمل ان يكون نهي النبي (ص) لها تسلية لفؤادها و توطئة وتهيئة لفقده كيف لا وقد ملأ قلبها عطفاً وحناناً ورحمة ومحبّة منه صلّى الله عليه وآله لها وخصوصا في تلك اللحظات الأخيرة عند تراكم الحزن ، وهمّ الفراق وحسرة الوداع ، فيخمد شرارة نار قلبها وشعلتها ويطفئ حرارة الجزع وحرقة لوعتها ، فكان فيما ذكرها ذلك تمهيداً وتوطئة لما يريد أن يخبرها ويعلمها به ، وحينما اخبرها ، تهلل وجهها وظهر عليها فرحها ، فجاءت الرواية أنّه بعدما قرأ عليها الآية : بكت طويلاً فما كان منه الا أن أدناها وأسرّ إليها فظهر سرورها وبانت مسرتها ، فسئلت عما قال لها ؟ فقالت : أخبرني أنّي أوّل أهل بيته لحوقاً به ويكون قريباً .
خامسها: ان سيدة النساء لما نظرت الى ابيها و رأت النور يسطع من وجهه صارت تتضرع الى ربها بوجهه كما تضرع ابو طالب (ع )حينما أصاب السماء ما اصابها فاخذ النبي الاكرم (ص) في قماطه وتوجه به الى الله فامطرت السماء و الزهراء(ع) تتوسل الى الله بنوره (ص) لاجل ان يشفيه ويبقيه بينما يأتي النهي من النبي (ص) لا تقولي مقالة أبي طالب لانني لست في مقام العودة الى الدنيا بل اني راحل الى الاخرة فلذا قال : وما محمد الا رسول قد خلت ... اي انه راحل وقومه سينقلبون على اعقابهم
ونود ان نشير اخيرا الى ان ما ذكرناه هو اشبه بالتحليل و لا ندعي صحته بل هو سيرة تحليلية يعتمد عليها الباحث حين لا يجد في الايات تصريحا اوفي الروايات تلميحا لحل الاشكالات.
والحمدلله رب العالمين
وصل الله على سيدنا محمد وآله الطاهري