وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الجواب عن النقطة الأولى:
في الآيات المتقدّمة (90 و91 و92) من نفس السورة بيّن الله تعالى:
أوّلاً: شدّة ضرر وخطر الخمر والميسر والأنصاب والأزلام وأنَّ هذه الامور رجس من عمل الشيطان، فلا بدّ من اجتنابها.
ثمّ بيّن ثانياً: أنّ الشيطان يريد بهذه الأعمال أن يُوقع بين المؤمنين البغضاء والعداوة وأن يصدّهم عن ذكر الله والصلاة، فلا ينبغي للمؤمن أن يسمح للشيطان بإيقاعه فيما ذكر من خلال الخمر والميسر والأنصاب والأزلام.
وبيّن ثالثاً: أنّ المؤمن بدلاً له من اتّباع الشيطان عليه أن يتّبع الله والرسول من خلال العمل والإيمان بهما والعمل بتكاليفهما.
ثمّ أخيراً حذّرهم من أنّ التّولّي عن إطاعة الله ورسوله، إلى تولي وطاعة الشيطان من خلال ما ذكر، له عقاب شديد وأنّ الرسول ليس عليه إلّا البلاغ، فلا يأتينّ أحدكم يوم القيامة لينكر معرفته بحرمة هذه الأشياء.
ومن هنا ودفعاً للتوهم وخوفاً من استغلال الشيطان المؤمنين من خلال القنوط والإحباط وفقدان الأمل، أكمل الله تعالى مبيّناً، أنّ المؤمن لو ارتكب هذه الامور عن خطأ أو نسيان أو معصية وإطاعة للنفس وهواها، ثمّ اتّقى وآمن وتاب فإنّ الله يغفر ذنبه وخطأه وتقصيره السابق، بل وكأنّ الله تعالى في مقام إعطاء قاعدة امتنانيّة عامّة للمؤمنين، وهي: (أنّ كل من اقترف ما نهى الله عنه ثمّ تاب وأصلح واتّقى، فإنّ الله غفور رحيم يغفر الذنوب العظام)
الجواب عن النقطة الثانية:
الله تعالى في مقام بيان شرط العفو عنهم وعدم معاقبتهم على ما اقترفوه من الذنوب خصوصاً شرب الخمر وأكل المال الذي حصلوا عليه من خلال الميسر، فإنّ أوّل ما يجب فعله هو أن يتّقي المؤمن عن فعل المحرّم بتركه وأن يؤمن بالله تعالى وأحكامه وأنْ لا ينوي العودة إلى المحرّمات وهذه الأمور هي عبارة عن التوبة، وأن يبدأ بالعمل الصالح وما أوجبه الله عليه من التكاليف الإلزاميّة، وهذا ما أشار إليه تعالى بقوله: (إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ).
ثم بيّن الله تعالى ما يجب على المؤمن فعله كي لا يقع مجدّداً في الأخطاء السابقة من اتّباع الهوى والشهوات، فلا بدّ وأن يستمرّ على الإيمان بالله وأحكامه وعلى فعل الواجبات والتكاليف التي أمره الله تعالى بها، فالاستمراريّة هي الكفيل له لعدم العودة لما كان عليه من المحرّمات، وهذا ما أشار إليه تعالى بقوله: (ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا).
وأخيراً أشار الله تعالى إلى شرط أخير وهو أنّ ما ذكر من المغفرة وعدم العودة إلى المعاصي، لا يتحقّق إن لم يكن نابعاً من القلب ومن نيّة صافية وصادقة، فإنّ مجرّد ترك القبيح وعمل الخير ليس علّة لعدم العود، فإنّ كثيراً من الناس يتركون شرب الخمر في بعض الأوقات ويعملون الخير والصالحات، لكنّها حيث لم تنبع من نيّة صادقة والتزام قلبي، بل من مجرّد العزم على تركها، فإنّ سرعان ما يعودون إلى فعل المنكرات وارتكاب المحرّمات.
إذن يجب على المؤمن في نهاية المطاف أن يعقد نيّته وقلبه على ترك المعاصي من خلال إزالة العقبات والامراض والموانع النفسيّة، حيثّ إنّ هذه العقبات موانع لقبول الأعمال الصالحة. وبعد هذا يصح أن يقال: إنّ المؤمن أحسن في طاعته وعمله، فإنّ الطاعة والتقوى والعمل الصالح المطلوب من المؤمن هو أحسنه، وأحسنه لا يكون إلّا بعقد النيّة والقلب على التقوى والطاعة والإيمان والعمل الصالح، لا مجردّ التلفظ به والإقدام على بعض الأعمال الصالحة، ولذلك صح القول: أنّ الله تعالى يحبّ المحسنين الذين إذا قاموا بعمل أحسنوا. وهذا ما أشار إليه الله تعالى بقوله: (ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).