وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
قبل الدخول في صلب تفسير هذه الآية لا بأس من الإشارة إلى أنّ الله تعالى في الآية 34 و 35 من سورة النساء ذكر نشوز المرأة وكيفيّة علاجه حيث قال تعالى:
{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً * وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَآ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً}
وهذه الآية تتحدّث عن نشوز الرجل وإعراضه عن زوجته، والمراد من النشوز هو التكبّر والإعراض عن الآخر لا عنّ حقّ شرعيّ وإلّا لما سميّ نشوزاً كما لا يخفى.
وبالعودة إلى الأسئلة المطروحة:
أمّا الأوّل: فالمراد من الشّح هو: الإفراط في الحرص والتمسّك بالشيء، وهو أعمّ من البخل حيث إنّ البخل مختصّ بالحرص على الأموال بينما الشّح يشمل الحرص على الأموال وغيرها كالحقوق والغرائز وما شاكل.
وأمّا الثاني: بعد بيان المراد من الشّح فنقول: إنّ النفوس بشكل عام متّصفة بالشّح لأنّ الشّح غريزة نفسانيّة موجودة في كلّ نفس بشريّة يتحكّم بها كل بحسبه فإمّا أن يسيطر عليها، فلا يسمح لها بأن تكون وجهته الأساسيّة، بمعنى أنْ لا يقدّم مصالحه ورغباته على غيره، أو أن تسيطر هي عليه فتصبح قبلته وهدفه فلا يمانع ظلم غيره إن عارض مصلحته وحبّه لنفسه.
والآية في مقام الحديث عن نشوز الرجل أو إعراضه، حيث قد يتكبّر ويظلم زوجته لأسباب غير شرعيّة ولا منطقيّة تارة، وأخرى قد يعرض عنها لكن لا ظلمًا، بل لسوء تصرّف منها أو لأمر مشروع. ومن ثمّ تطرح الآية حلّاً لمثل هذه المشاكل الاجتماعية التي هي أساس في استمرار المجتمع واستقراره.
فتقول: إنّ بروز أي خلاف بين المرأة وزوجها أو بروز أي علامات لبداية الخلافات، تستحضر فيه الأنفس الشّح أي تحضر غريزة المرأة في تمسّكها بحقوقها من النفقة والمبيت والملبس والمسكن والمأكل، وكذلك غريزة الرجل تدعوه للتمسّك بحقوقه الزوجيّة من التمكين والطاعة وغيرها من الحقوق. وهنا الذي يتوجّب على كلّ من الرجل والمرأة ـ خصوصاً المرأة ـ لأنّ الكلام عن نشوز أو إعراض الرجل ـ أن تسيطر على غريزتها فلا تتمسّك بحقوقها وتقدّمها على الإصلاح والتسامح، ففي مثل هذه الحالات لا جناح ولا مانع من تنازل كلّ منهما عن بعض حقوقه أو كلّها في مقابل الإصلاح وإرضاء الطرف الآخر، بل الصلح خير، فإن تمكّنت المرأة من التنازل عن حقوقها أو بعض منها، فهذا خير لها وللأسرة والمجتمع.
وفي الوقت نفسه تنبّه الآية الكريمة الرجال على عدم استغلال ضعف المرأة واستعدادها للتنازل، وإنّما المطلوب منه في المقابل هو التعامل بتقوى وإحسانٍ، فإنّ الله وإن جوّز لها التنازل عن حقوقها لكنّه في الوقت نفسه لا يحبّذ الاستغلال.
نتيجة: مما تقدّم يمكننا أن نستنتج قاعدة عامّة في الحياة تكون قانونًا لحفظ المجتمع والتكامل، وهي: أن العفو والإحسان والإصلاح والتنازل بين المؤمنين، خير من التحدّي وتقديم مصالح النفس وغرائزها والتّمسّك بها.