وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
ج1) الجَزَعُ: نقيض الصبر، فهو إظهار الحزن، وألم المصيبة.
ففي كتاب العين، ولسان العرب: ((والجَزَعُ: نقيض الصبر))(1).
وفي أقرب الموارد: ((لم يصبر فأظهر الحزن))(2).
وفي منجد اللغة: ((لم يصبر عليه، فاظهر الحزن أو الكدر))(3).
وإظهار الحزن قد يكون برفع الصوت بالبكاء، المسمّى بـ(النوح)، وقد يكون بالبكاء مع الصراخ، المسمّى بـ(العويل)، وقد يكون بالبكاء مع تعداد محاسن الميّت، المسمّى بـ(الندب)، وقد يكون بالقول، كمن يدعو بالويل والثبور، فيقول: يا ويلاه، واثبوراه، والويل: الهلاك، وكذا الثبور، وقد يكون بالعمل، بأن يضرب يده على جبينه، أو خدّه، أو فخذه، أو يُمزقَ قميصه أو ثوبه، أو ينتف شعره، أو يجزّه، أو يمتنع عن الطعام، أو غيره.
وتوجد روايات متعدّدة في استحباب الجزع على الإمام الحسين(عليه السلام)، منها: ما ورد في خبر معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله(عليه السلام): (كلّ الجزع والبكاء مكروه، سوى الجزع والبكاء على الحسين(عليه السلام))(4).
وقد نقله الحرّ العاملي في وسائله، تارة في أبواب الدفن بعبارة: ((سوى الجزع والبكاء على الحسين(عليه السلام) ))(5)، وأُخرى في أبواب المزار بعبارة: ((ما خلا الجزع والبكاء لقتل الحسين(عليه السلام) ))(6).
ومنها خبر علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد الله(عليه السلام)، سمعته يقول: (إنّ البكاء والجزع مكروه للعبد في كلّ ما جزع، ما خلا البكاء والجزع على الحسين بن عليّ(عليهما السلام)؛ فإنّه فيه مأجور)(7).
ومنها خبر صالح بن عقبة: (ويُقيم في داره المصيبة بإظهار الجزع عليه)(8).
ومنها خبر خالد بن سدير، عن أبي عبد الله(عليه السلام) في حديث: (وقد شققن الجيوبَ، ولطمن الخدودَ - الفاطمياتُ - على الحسين بن عليّ(عليهما السلام)، وعلى مثله تُلطم الخدود، وتُشقّ الجيوب)(9).
ومنها خبر مسمع بن عبد الملك كردين البصري: ((قال لي أبو عبد الله(عليه السلام): أما تذكر ما صُنع به - الحسين -؟ قلت: نعم.
قال: فتجزع؟
قلت: إي واللهِ، واستعبر لذلك، حتّى يرى أهلي أثر ذلك عليّ، فامتنع عن الطعام، حتـّى يستبينَ ذلك في وجهي.
قال(عليه السلام): رحم الله دمعتك، أما إنك من الذين يُعدّون من أهل الجزع لنا، والذين يفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا، ويخافون لخوفنا، ويأمنون إذا أمنّا))(10).
ومنها خبر معاوية بن وهب: ((استأذنت على أبي عبد الله(عليه السلام)، فقيل لي: ادخل. فدخلت، فوجدته في مصلاه في بيته، فجلست حتـّى قضى صلاته، فسمعته وهو يناجي ربّه، وهو يقول: (يا من خصّنا بالكرامة - إلى أن قال: - اغفر لي ولإخواني ولزوّار قبر أبي (عبد الله) الحسين(عليه السلام) - إلى أن قال: - وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمةً لنا، وارحم تلك القلوب التي جَزَعت واحترقت لنا، وارحم الصرخة التي كانت لنا)...)) الخبر(11).
وما قاله دعبل في محضر الإمام الرضا(عليه السلام)، مع سكوت المعصوم وإقراره:
أفاطم لو خلت الحسين مُجدّلاً ***** وقد مات عطشاناً بشطّ فراتِ
اذاً للطمتِ الخَدّ فاطمُ عنده ***** وأجريت دمع العين في الوجناتِ(12)
ج2) ورد في الزيارة المنسوبة للناحية المقدسة "فلمَّا رأينَ النساء جوادَك مخزيًّا والسرجَ عليه ملويًّا ، برزنَ من الخدور، ناشرات الشعور، على الخدود لاطمات، وللوجوه سافرات، وبالعويل داعيات" وهذه الفقرة من الزيارة وجّهت من قبل العلماء بعدّة طرق:
التوجيه الأول: أن المقصود أنهن نشر الشعور تحت المقانع وتحت الخمار، لا أنهن نشرن الشعور خارج الخمار والمقانع.
التوجيه الثاني: أن هذه الفقرة ناظرة لنساء الأنصار وليست ناظرة إلى بنات أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين.
يقول السيد مرتضى العاملي في كتاب (خلفيات كتاب مأساة الزهراء(ع) ج2 ص 182): ((وذلك لان ظروف الحرب الضارية ربما توجد حالة من الذعر والاندهاش تؤدي بالنساء أن يخرجن على حالة لا يخرجن عليها في الظروف المعادية والنساء اللواتي حضرن كربلاء من مختلف القبائل العربية وقد يكون فيهن نساء يسرع اليهن الخوف ونساء أكثر صلابة وثباتاً، فلم يكن كل من حضر من النساء في كربلاء في مستوى زينب (عليها السلام) من حيث المعرفة والصلابة والثبات)).
التوجيه الثالث: أنهن خرجن من خدورهن لا إلى المعركة على هذه الحالة ، وإنما بداية خروجهن من الخيمات الخاصة بالنساء إلى فناء المخيم أو الخيمات الأخرى ، إذ أن بعض المصادر التأريخية تذكر بأن الإمام الحسين عليه السلام يوم التاسع أمر أن تجعل خيام النساء متوسطة في المخيم ، بحيث تحيطها باقي الخيمات من الجهات المختلفة ، وهذا هو الأمر الطبيعي الذي يقوم به المؤمنون حتى في الأحوال العادية حيث يؤمنون لنسائهم أكبر ما يمكن من حال الستر والحفظ والحماية . فلما جاء جواد الحسين عليه السلام وعرفن بعظم المصيبة قمن بما تقوم به كل امرأة ثاكل وفاقد من البكاء ونشر الشعر أي حله وترك الزينة واللطم ، وخرجن من خيماتهن إلى خارجها ولكنهن ما زلن في داخل المخيم , ولم يخرجن إلى المصرع بهذه الحالة .
التوجيه الرابع: أن هذه كناية عن شدة المصيبة، لا أن هذا الأمر حصل بالفعل، فعندما نريد ان نعبر عن إنسان مفتجع بمصيبة معينه فنحن نصوره كأنه خرج من بيته حافياً حاسراً لاكما على وجهه، فإن هذه التعبيرات لا يراد منها أن هذاا الأمر قد وقع بالفعل وإنما يراد منه الكناية عن شدة مصيبته وتفجعه بالحدث الذي حصل لهن فهذه الوجوه ذُكرت من قبل العلماء توجيهاً لهذه الفقرة.
دمتم موفقين لكل خير
المصدر:
المراجع:
(1) كتاب العين 1: 217 مادة (جزع)، لسان العرب 8: 47 مادة (جزع).
(2) أقرب الموارد 1: 120.
(3) منجد اللغة: 89 مادة (جزع).
(4) أمالي الطوسي: 162 حديث (20) المجلس السادس.
(5) وسائل الشيعة 2: 282 حديث (9) الباب (87) من أبواب الدفن.
(6) وسائل الشيعة 14: 505 حديث (10) الباب (66) من أبواب المزار.
(7) كامل الزيارات: 201 حديث (2) الباب (32).
(8) مصباح المتهجّد: 772 شرح زيارة أبي عبد الله(عليه السلام) يوم عاشوراء.
(9) تهذيب الأحكام 8: 325 حديث (1207) كتاب الأيمان والنذور والكفّارات.
(10) كامل الزيارات: 203 - 206 حديث (7) الباب (32).
(11) الكافي 4: 582 باب فضل زيارة أبي عبد الله الحسين(عليه السلام).
(12) مقتل الخوارزمي 2: 148، كشف الغمّة 3: 112 ذكر الإمام الثامن أبي الحسن(عليه السلام).