وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وبعد، فليس كلّ ترديدٍ يذكره المتكلّم يدلّ على أنّه شاكٌّ أو جاهلٌ؛ فقد يُذكر الترديد لعدم إفادة السامع واقع الأمر، أو لأنّ الأمر في نفسه مردّد بين احتمالين ولا عبرة في الاحتمالين في أنفسهما، فسواء كان هذا أم ذاك المهمّ ما يترتّب عليهما.
ولعلّ المذكور في الآية من هذا القبيل؛ فإنّ المسلمين ما ينبغي لهم أن يوقفوا المشروع الإلهي بانتقال الرسول من عالم الفناء إلى عالم البقاء، بل من الطبيعي أن ينتقل الرسول من هذا العالم إلى ذاك، والانتقال هذا له طريقان لا ثالث لهما: الموت والقتل، فسواء مات الرسول أم قُتِل، عليكم أيها المسلمون أن تثبتوا على مبادئ الرسالة وتعاليمها.
ولعلّ ذِكر القتل من باب تعلّق نزول الآية بحادثة أُحُد، حيث أُذيع أنّ الرسول قُتِل، فترك قسمٌ من المسلمين ساحة القتال على أثر ذلك. فجاءت الآية لتقول لهم ما معناه: هل تتركون الدين بقتل الرسول؟ هبوا أنّه مات فهل تنقلبون على أعقابكم؟
فليس في الترديد دلالة على أنّ المتكلّم شاكّ أو جاهل، سواء أكان المتكلّم ربّ العزّة تعالى أم غيره.
ولا دلالة في الترديد على أنّ الرسول سيُقتَل البتّة. بل الآية دالّة على أنّ الرسول شأنه شأن جميع الناس إمّا أن يموت أو أن يُقتل. ليس الرسول بمعزل عن مفارقة الحياة الدنيا. لم يجعل الله له الخلد في الدنيا. هذا هو مفاد الآية.
وقد جاء هذا الترديد في آية أخرى، وهي قوله تعالى: (ولئن متّم أو قتلتم لإلى الله تُحشرون) [آل عمران: 158]، والكلام فيها كالكلام المتقدّم.
والحمد لله أولًا وآخرًا.