وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الجواب عن السؤال الأوّل:
إنَّ الآية السابقة على هذه الآية في مقام بيان حق اليتامى وأنّه لا يجوز لأوليائهم ومتكفّليهم أن يعتدوا على أموالهم بأخذها وصرفها على أنفسهم كما كانت عادة الجاهليّة حيث كان يعتبر اليتيم وكل ما ملك لوليّه وكفيله، بل كان يتمّ الاستمتاع باليتيمات تُزوّج وتُحرم من الإرث وكأنها زوجة من الدرجة الثانية. ومن ثمّ جاءت هذه الآية لتبيّن عدم جواز التعدّي على نفوس اليتامى كما لا يجوز التّعدي على أموالهم وممتلكاتهم، فنبّهت المسلمين على أنّه مَن لم يضمن من نفسه الحفاظ على اليتيمة وأموالها، وكان سبب تزوّجه منها هو الحصول على مالها فقط دون الرغبة فيها كزوجة ولم يكن قادراً على أن يعاملها معاملة الزوجة العاديّة ـ صاحبة الأهل والعشيرة ـ من الاحترام، وضمان توريثها، فالأفضل له أن يتزوّج من غير اليتيمات، حيث لا يكون طمعه لمالها، بل وجود الأهل والعشيرة يمنعه من سوء معاملتها غالباً.
ومن هنا يتبيّن أن الفرق بين اليتيمة وغيرها هو من جهة وجود الرادع ومن جهة أنّ اختياره لليتيمة كان بداعي الحصول على أموالها وسهولة التخلّص منها متى ما شاء، بخلاف غير اليتيمة فإنّ لها مهراً تحدّده هي وأهلها، خلافاً لليتيمة حيث قد ترضى بالقليل لكونها يتيمة.
وأمّا السؤال الثاني: فقد اتّضح مما سبق الجواب عنه، حيث إنّ الرجل قد يقدم على ظلم اليتيمة الواحدة ولا يجرأ على ظلم أربعة نساء لسن يتيمات، للأسباب التي ذكرناها.
وأمّا الثالث: فليس الكلام عن الظلم والعدل في الجوانب الماديّة فيعطي كل واحدة منهنّ نفس المسكن والملبس والمأكل، بل المراد هو العدل في المبيت والجوانب العمليّة الأخرى التي فرضها الفقهاء على الزوج وأوجبوا عليه العدل بين النساء في حال تعددت الزوجات لديه. وفي المقابل حكم العلماء بأنّ المملوكة لا تمتلك هذه الحقوق على مولاها فهو غير ملزم بالمبيت عندها أو تقسيم المبيت بينها وبين غيرها من المملوكات. ومن هنا نعرف أن الله تعالى ليس في مقام تشريع الظلم على المملوكات ـ كيف وهو اعدل العادلين ـ بل هو في مقام الإشارة إلى انّ الرجل الذي يميل عادة في حبّ ورغبته إلى بعض الزوجات ويصل الأمر به إلى ترك بعضهنّ وعدم المبيت عندهّن، فالأفضل له أن لا يتزوّج بأكثر من واحدة، بل يمكنه اللجوء إلى نكاح المملوكات.
ومما يدلّل بوضوح على المعنى الذي ذكرناه قوله تعالى: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللاَّتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً) الآية 127 من سورة النساء، فهي صريحة في المعنى الذي ذكرناه، والله العالم.