يقول تعالى وعلم آدم الأسماء كلها
ما هي تلك الأسماء ؟
ولماذا اقتنعت الملائكة بجواب الرحمان
وكيف علمت الملائكة بموضوع الإفساد في الأرض
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته...
أمّا تلك الأسماء، فالمفهوم جمع اسم، والاسم هو الدالّ على الشيء (المسمّى)، فلكلّ شيءٍ (مسمّى) اسم يطلق عليه، كالجبل والوادي والبساط والفراش والكأس والكتاب وما إلى ذلك، ويشمل أسماء الناس، ويشمل أسماء الله الحسنى... ويشمل كلّ اسم. وقد يطلق الاسم على معنى الشيء، فتكون الأسماء المعاني.
أمّا المصداق، فيحتمل أن يكون المراد كلّ ما ذكرناه، ويحتمل أن يكون بعض ما ذكرناه.
وليُعلم أنّ القول بأنّ المراد البعض يحتاج إلى قرينة، إمّا من القرآن نفسه وإمّا من الأحاديث التفسيريّة.
وقد انقسم المفسّرون إلى قائلٍ بتخصيص كون المراد أسماء ذرّيّته وأسماء الملائكة، وإلى قائلٍ إنّ المراد أنّه علّمه معاني الأسماء، وإلى قائلٍ بأنّ المراد معرفة اللغات.
وقرينة الأول: أنّه قال: (ثمّ عرضهم) والضمير (هم) يستعمل في من يعقِل. فلا بدّ من أن يكون المراد أنّه علّمه أسماء من يعقل.
وقرينة الثاني: أنّ معرفة الأسماء دون معرفة معانيها لا فائدة فيها. ولا يختصّ بمعرفة العاقلين بل الضمير لكلّ الأسماء من يعقل وما لا يعقل وقد جيء بضمير العاقلين تغليبًا، والتغليب أسلوب عربيّ معروف.
والثالث يجتمعُ مع القولين السابقين لا ينافيهما.
"وورد عن أهل بيت النبوّة ومعدن الرسالة أنّ المراد: أسماء المخلوقات من الجبال و البحار و الأودية و النّبات و الحيوان و غيرها
وفي رواية : «أسماء أنبياء اللّه و أوليائه و عتاة أعدائه» [الأصفى، ج1، ص25]
قال الفيض الكاشانيّ (رحمه الله): أقول: وجه التّوفيق أنّ المراد بالأسماء، أسماء اللّه الحسنى الّتي بها خلقت المخلوقات كما أشير إليها
في أدعية أهل البيت - عليهم السّلام - بقولهم: «و بالاسم الّذي خلقت به العرش، و بالاسم الّذي خلقت به الكرسيّ، و بالاسم الّذي خلقت به الأرواح»؛ إلى غير ذلك. و إنّما اختصّ كلّ مخلوق باسم، بسبب غلبة ظهور الصّفة الّتي دلّ عليها ذلك الاسم فيه، كما أشير إليه في
الحديث القدسيّ : «يا آدم هذا محمّد و أنا الحميد المحمود في فعالي، شققت له اسما من اسمي؛ و هذا عليّ و أنا العليّ العظيم، شققت له اسما من اسمي» الحديث. و إنّما أضيفت في الحديث تارة إلى المخلوقات كلّها، لأنّها كلّها مظاهرها الّتي فيها ظهرت صفاتها متفرّقة؛ و أخرى إلى الأولياء و الأعداء، لأنّهما مظاهرها الّتي فيها ظهرت صفاتها مجتمعة، أي ظهرت صفات اللّطف كلّها في الأولياء، و صفات القهر كلّها في الأعداء. و المراد بتعليمها آدم كلّها، خلقه من أجزاء مختلفة و قوى متباينة، حتّى استعدّ لإدراك أنواع المدركات، من المعقولات و المحسوسات و المتخيّلات و الموهومات، و إلهامه معرفة ذوات الأشياء و خواصّها و أصول العلم و قوانين الصّناعات و كيفيّة آلاتها و التّمييز بين أولياء اللّه و أعدائه؛ فتأتي له بمعرفة ذلك كلّه مظهريّته لأسماء اللّه الحسنى كلّها، و جامعيّته جميع كمالات الوجود اللاّئقة به، حتّى صار منتخبا لكتاب اللّه الكبير الّذي هو العالم الأكبر، كما قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «و فيك انطوى العالم الأكبر»" [الأصفى: ج1، ص26].
ورأى العلامة الطباطبائيّ أنّ المراد: أنّ الله تعالى علّم آدم ما في خزائن غيبه من الأشياء وهو غيب السماوات والأرض. لأنّه لو كان يعلم تلك الأسماء كما نعلم نحن أسماءها ما كان له من فضل على الملائكة، بل علّمه تعالى: حقائق الأشياء، وهو الذي أهّله للخلافة الإلهيّة.
بعبارة أخرى: علّم الله سبحانه آدم حقائق الأشياء وهي تتصف بالحياة والعلم في الخزائن التي قال تعالى عنها: (وإن من شيءٍ إلّا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدرٍ معلوم)، وبعلمه ذاك كان مؤهّلًا للخلافة الإلهيّة. ولم يكن من شأن الملائكة أن يعلموا ذلك. وليست الخلافة أن يسبَّح لله ويقدّس.
قال السيد عبد الأعلى السبزواري: " لم يكن هذا العلم مقتصرا على ألفاظ و مسميات خاصة و هو في هذا المقام العظيم و المنصب الرفيع فقد تعلم كل المعارف الإلهية و ماله دخل في استكمال الإنسان في النشأتين، كما أن التعليم شمل أسرار القضاء و القدر و خواص الأشياء و منها خواص النبات و عرف موجبات الفرح و السرور و أسباب الحزن و الكدر فإن آدم و سائر حجج اللّه سفراؤه في الأرض و لا بد و ان يكون السفير مطلعا على دار سفارته" [مواهب الرحمن، ج1، ص173].
وأمّا كيف علموا أنّه سيكون الفساد وسفك الدماء، فذلك بأنّ الموجود الذي أخبرهم عنه سبحانه مادّيّ مركّب من القوى الغضبيّة والشهويّة والدار (الدنيا) دار تزاحم، "محدودة الجهات، وافرة المزاحمات، مركباتها في معرض الانحلال، و انتظاماتها و إصلاحاتها في مظنة الفساد و مصب البطلان، لا تتم الحياة فيها إلا بالحياة النوعية، و لا يكمل البقاء فيها إلا بالاجتماع و التعاون، فلا تخلو من الفساد و سفك الدماء، ففهموا من هناك أن الخلافة المرادة لا تقع في الأرض إلا بكثرة من الأفراد و نظام اجتماعي بينهم يفضي بالآخرة إلى الفساد و السفك" [الميزان في تفسير القرآن، ج1، ص115].
وأمّا لماذا اقتنعت بجواب الله الرحمن فلأنّهم رأوا ما لا طاقة لهم به، فعندما أنبأهم آدم بأسمائهم علموا أنّه جدير بالخلافة وأنّ الفساد وسفك الدماء ليسا مانعين من الاستخلاف.
دمتم موفقين لكل خير