عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
مرة يقع الكلام في مقام الثبوت(أي في إمكانية صدوره) وأخرى في الإثبات (أي في الدليل على وقوعه):
أمّا الأوّل وهو إمكانية صدور هذا الأمر، فإننا نرى أنّ القرآن والروايات تُحدِّثنا عن إمكانية صدور مثل هكذا أفعال كتكلّم النبي عيسى عليه السلام وهو في المهد وإحيائه الموتى و إبرائه الاكمه والأبرص و تكلَّم الحصى في يدِ رسول الله (ص) ونظير ذلك كثير في الأخبار ولا معنى للتشكيك به و الإنكار.
وأما الثاني وهو مقام الاثبات، فإنّه لكي نثبت ذلك علينا الرجوع الى الروايات التي تحدثت عن تكلم الرأس وهل هي موجودة في مصادرنا ومنقولة في كتبنا وهنا نقول إنَّ تكلّم الرأس وقراءته لآيات المولى قد جاء في الروايات ونذكر منها ما رواه الشيخُ المفيدُ في الإرشاد (الإرشاد -الشيخ المفيد- ص245) عن زيد بن أرقم أنّه قال: مُرَّ به -رأس الحسين- عليَّ وهو على رمحٍ وأنا في غرفةٍ لي فلمَّا حاذاني سمعتُه يقرأ ﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا ﴾ فقفَّ واللهِ شعري وناديتُ: "رأسُك واللهِ يابنَ رسول الله أعجبُ وأعجب).
وأما محل السؤال فلقد كفانا المحقق السيد جعفر مرتضى قدّس سره مؤونة الإجابة عنه حيث وجه اليه سؤال من هذا القبيل قال قدّس سره:
(إنّ الرواية بكلام الرأس وسطوع النور منه إلى عنان السماء موجودة . . ولا يستطيع أحد أن يكذبها بدعوى أنها مبالغ فيها ، ومن يدّعي المبالغة فعليه أن يذكر لنا المقدار الحقيقي منها.
والغريب في الأمر: أنَّ بعض هؤلاء الذين يطالبون الآخرين بالدليل على الإثبات هم أنفسهم يقولون: كما أن الإثبات يحتاج إلى دليل ، كذلك النفي يحتاج إلى دليل فنحن نطالب هؤلاء بدليلهم على النفي هنا، كما أننا نطالبهم بدليل على إثبات وجود مبالغة من الأساس . .
ويثير عجبنا حقاً: أن السؤال قد جاء بصيغة: أن قراء المجالس هم الذين ينقلون ذلك، مع أن ذلك وارد في الروايات التي ذكرها علماؤنا الأبرار في مؤلفاتهم المعتبرة .
هذا ، وقد روي أن الرأس المقدس قد تكلم بالآيات القرآنية وبغيرها ، من طرق السنة والشيعة .
فراجع على سبيل المثال : « الإرشاد للمفيد والخصائص الكبرى ج2 ص125 و127 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص188 وشرح الشافية وهي قصيدة أبي فراس ص148 ومقتل العوالم ص151 والخرايج والجرايح ، وتفسير نور الثقلين ج3 ص243 والبحار ج45 ص188 و172 ومصادر ذلك كثيرة لا مجال لاستقصائها » .
بقي أن نشير إلى أننا نخشى أن يكون قولهم : إن تكلم الرأس مبالغ فيه ، مقدمة للقول بأن تكلم الحصى وتسبيحه في يد الرسول [صلى الله عليه وآله] ، مبالغ فيه ، ومعراج الرسول [صلى الله عليه وآله] ، مبالغ فيه . وانشقاق القمر كذلك ، ورد الشمس لعلي [عليه السلام] ، والإتيان بعرش بلقيس ، وعدم احتراق إبراهيم [عليه السلام] بالنار ، وقلع علي [عليه السلام] لباب خيبر ، ومعرفة داود وسليمان [عليهما السلام] بمنطق الطير ، وتسخير الجن لسليمان [عليه السلام] ، وتسخير الرياح له ، ومعرفته بما تقوله النملة و . . و . . و . . مبالغ فيه . . ولعل الهدف من ذلك كله هو تحديد قدرة الله جل وعلا . . وتحجيمها لتصبح في حجم قدراتهم .
وأخيراً نقول : قد روى الكليني بسنده عن الإمام الباقر [عليه السلام] ، قوله في حديث : « والله ، إن أحب أصحابي إلي أورعهم ، وأفقههم ، وأكتمهم لحديثنا ، وإن أسوأهم عندي حالاً وأمقتهم للذي إذا سمع الحديث ينسب إلينا ويروى عنا ، فلم يقبله اشمأز منه ، وجحده ، وكفّر من دان به ، وهو لا يدري! لعل الحديث من عندنا خرج ، وإلينا أسند ، فيكون بذلك خارجاً من ولايتنا).
دمتم موفقين لكل خير.
المصدر: ما مدى صحة تكلم راس الحسين المقطوع و سطوع النور منه؟ - السيد جعفر مرتضى العاملي.