وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الجواب عن الأوّل: أنّ الآية الكريمة ليست في مقام نهي النبي عن هداية الكفار مطلقاً وفي مقام سنّ قاعدة تقتضي المنع عن هداية الكفّار، بل هي في مقام الكلام عن صنفين خاصين من الكفّار:
الأوّل: الذين لا يريدون الاستماع إلى الحقّ مطلقاً ولا يقبلون النقاش حول الدين أبداً وذلك لشدّة كفرهم وكرههم للرسول- ودين الإسلام.
الثاني: الذين علموا انّ الحقّ مع الرسول ودين الإسلام، لكن كبرياءهم وكفرهم وعنادهم يمنعهم من قبوله.
فهذان القسمان يعبّر عنهم الله تعالى أنّه لا فائدة من انذارهم والعمل على هدايتهم، حيث أقيمت عليهم الحجة مراراً فلم يقبلوها، فلا داعي لإتعاب النفس والعمل على إنذارهم أكثر، لعدم احتمال تأثّرهم بذلك، وإلّا لوجب على الرسول- إنذارهم.
ويظهر أن المراد من هؤلاء الكفّار هم صناديد قريش والعرب في أوائل البعثة.
الجواب عن الثاني: أنّه لا شكّ في أنّ الله تعالى خلق الإنسان مخيّراً، وأنّ العقاب والثواب لا ينسجم إلاّ مع الاختيار. وكذلك لا شكّ أنّ العقاب لا يكون إلّا بعد إلقاء الحجّة التامة وبيان الشريعة وأحكامها. ومن هنا لا يعقل ان يكون المراد هو سلب التعقّل والإدراك عنهم ثمّ معاقبتهم على ذلك.
وإنّما المراد أنّ الله تعالى خلق الإنسان حرّاً فإن اختار الحقّ استحقّ على الله تعالى أن يخرجه من الظلمات إلى النور، وهذا لا يعني أنّه لا يستحقّ الثواب لكون الله تعالى أخرجه من الظلمات، بل هو باختياره مال إلى الحقّ والنور فأخذ الله بيده ونوّر له طريقه. والعكس صحيح أيضاً، حيث إن اختيار المكلّف للباطل والكفر وعناده يمنع من أخذ الله تعالى بيده، بل ويوجب رفع الله تعالى رحمته وعنايته عنه مما يزيد في ظلماته وطغيانه، وهذا لا يتنافى مع الاختيار.
وبعبارة أوضح: الله تعالى يوجد الإنسان مخيّراً فله أن يختار بين الحقّ والباطل، فإن اختار الحقّ رفع حجاباً بينه وبين الحقّ فيكمل الله تعالى برفع الحجاب واستبداله بنور الهداية. وأمّا إن اختار الباطل فقد أختار حجاباً يمنعه من إدراك الحقّ وقبوله، فإن تابع في عناده وكفره، وضع الله عليه حجاباً آخر من عنده. فهناك حجابان على قلب الكافر وعقله، حجاب من نفسه وباختياره، وحجاب من الله تعالى اختاره المكلّف وإستحقّه بعد طغيانه واختياره للباطل.