وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أوّلاً: لا بدّ من ذكر مقدّمة، وهي: أنه لا تنافي بين الرحمة والغضب (العقاب)، فالأم التي تعامل ابنها بالرحمة في مواضع خطئه وارتكابه أذية الآخرين مثلاً، تكون سبباً في انحراف ولدها وتسمح له بإفساد نفسه ومجتمعه والتعدي على الآخرين دون أن يكون له رادع عن ذلك، فهي عملياً تُلحق الأذى بابنها، فأين الرحمة في ذلك؟! وكذلك الحال لو عاملته بشدّة وغضب في المواضع التي يستحقّ منها الرحمة، فإنّها بذلك تؤثر سلباً على حالته النفسيّة مما قد يجعله خطراً على المجتمع.
وعليه، فالأم الحكيمة هي التي توازن بين الرحمة والشدّة، فتكون سبباً في سعادة ابنها وصلاحه وصلاح المجتمع تبعاً لصلاح الفرد.
ثانياً: بما أنّ التوازن بين الرحمة والشدّة هو ما تقتضيه الحكمة، فكيف بمن هو أحكم الحاكمين - الله عزّ وجل - فإن الحكمة الإلهيةّ تقتضي الرحمة بالعباد في الموارد التي يستحقّ العبد فيها الرحمة، وتقتضي الشدّة والعقاب في الموارد التي يستحقّ العبد فيها العقاب.
ثالثاً: إنّ الهدف من خلق الإنسان وعبادته هو الوصول إلى الكمال الدنيوي والأخروي للفرد والمجتمع، وهذا الكمال لا يمكن الوصول إليه لو غرّر اللهُ تعالى بعباده ووعدهم بالجنة فحسب، فإنّهم لن يرتدعوا عن المعصية معتمدين على رحمته تعالى أو خوّفهم من نار جهنّم فحسب فإن اليأس سيدخل قلوبهم. فلا بدّ من أن يكون هناك توازن بين الخوف والرجاء.
ومن هنا نجد الله تعالى في محكم كتابه - غالباً - كلّما ذكر صفة الرحمة أتبعها بصفة الغضب والعقاب -أو العكس - كما في قوله تعالى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾، وأيضاً وصف الله تعالى نبيّه صلى الله عليه واله بالنذير والبشير في آن واحد حيث قال: (أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنَّني لَكُمْ مِنْهُ نَذيرٌ وَ بَشير) وما ذلك إلّا للحفاظ على هذا التوازن الذي يضمن الوصول إلى الكمال.
و من هنا أكّد أهل البيت (عليهم السلام) على هذا التوازن واصفين موقع الانسان بين الخوف والرجاء بكفّتي الميزان التي لا ينبغي أن تميل أحداهما على الأخرى. فالخوف و الرجاء أصلان مهمان من الاصول الاخلاقية والإيمانية للانسان لا يمكن للإنسان أن يصل الى الايمان الحقيقي والاخلاقي مع إختلال أحدهما ورجحان أحدهما على الآخر، حيث ورد عنهم: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَفْتَتِحُ الثَّنَاءَ بِحَمْدِكَ وَأَنْتَ مُسَدِّدٌ لِلصَّوَابِ بِمَنِّكَ وَأَيْقَنْتُ أَنَّكَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فِي مَوْضِعِ الْعَفْوِ وَ الرَّحْمَةِ وَأَشَدُّ الْمُعَاقِبِينَ فِي مَوْضِعِ النَّكَالِ وَالنَّقِمَةِ".
رابعاً: وأمّا ما ذكر من كون بلاءات الأطفال هو عقاب لهم فهذا ليس صحيحاً، فهناك بعض البلاءات - كالإعاقة مثلاً- غالباً تكون مسببة عن سوء تصرف من الأبوين من تناول لبعض الأدوية أوما شابه، أو تكون نتيجة عوامل بيولوجية، فهذه أسباب تكوينية لا يمكن وصفها بعقاب الله تعالى لهم. كما أن اعتداء البعض على الاطفال بالضرب والقتل، لا يوصف بأنّه ظلم أو عقاب من الله تعالى، بل هو ظلم ارتكبه المعتدي وسيكون له جزاؤه يوم القيامة.
مضافاً إلى أنّ كثيراً من البلاءات كالفقر والمرض قد تكون تكفيراً للعبد عن ذنبه أو رفعًا لدرجته في الآخرة، أو تمحيصاً للعباد ليميز الخبيث من الطيب. وأنّ المرض سيعوضّه الله تعالى علينا في الآخرة. ولا يسعنا في هذا المختصر ذكر تفاصيل هذه البحوث.
دمتم موفقين لكل خير.