عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أمّا أنّ المصحف الذي بين أيدينا ليس هو ما جمعه الإمام عليٌّ (عليه السلام) فهذه مسألة منفردة، ما ينبغي إدخالها في الشقّ الثاني من السؤال، فإنّه يحتمل أن يكون ما جمعه عليّ مطابق من حيث عدد الآيات والسور لما بين أيدينا، غاية الأمر أنّ ترتيبه مختلف وفيه بعض الإضافات من قبيل التفسير وأسباب النزول وأماكنه وفيمن نزلت وما إلى ذلك مما لا يؤثّر في النص القرآني شيئًا، نعم يؤثر في الوقوف على حقيقة الآيات وفهمها، وهذا ليس من التحريف اللفظيّ في شيء.
وأمّا الروايات التي تقول بعروض النقص للمصحف الشريف، فلو سلّمنا بصحّة أسانيدها، فهي ممّا لا ينبغي الركون إليه والاعتماد عليه؛ لأنّها مخالفة للنّص القرآنيّ المجمع على عدم حلول الزيادة في آياته. بيان ذلك: إنّ المسلمين جميعًا مجمعون ومتّفقون على أنّ المصحف الذي بين أيدينا ليس فيه آية زائدة بل ليس فيه حرف زائد، والمراد بالزائد: ما هو ليس من الوحي الإلهيّ، فحينئذٍ نسأل: أليس قوله تعالى: (إنّا نحن نزّلنا الذِّكر وإنّا له لحافظون) من الوحي الإلهيّ، أي: هو من قول الله العزيز الحكيم الذي ليس هناك من هو أصدق قيلًا منه؟! الجواب: بلى. إذن، الله تعالى وعد وأكّد أنّه سيحفظ هذا الذكر، فكيف يكون محفوظًا مع عروض النقص له. وبهذا تنتفي حالتا النقص والزيادة اللفظية من القرآن.
على أنّ الأئمّة (عليهم السلام) الذين هم حفظة الدين والشرع طالما أرشدوا ـ تبعًا لقائدهم النبيّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله) ـ إلى التمسّك بالقرآن الكريم في الفتن، وبعرض الروايات عليه، فما خالفه لم يُعمل به وما وافقه عُمِل به، وهذا يدلّ على عصمته بوجه.
على أنّ هناك روايات فيها بعض الألفاظ الزائدة لا يخفى على أصحاب الذوق اللغوي البيانيّ أنّها من قبيل التفسير، كقراءة ابن مسعود لقوله تعالى: (وكفى الله المؤمنين القتال) بزيادة قوله: بعليّ.. أي: كفاهم بعليّ (عليه السلام).. ومثل ذلك كثير.
وأمّا مسألة رجوع العلماء المتفقّهين عن الدين ومحاربتهم للإمام فالرواية فيها رواة مهملون لم يعرف حالهم من الوثاقة والضعف، فهي بمنزلة الرواية الضعيفة. على أنّ الرواية لو كانت صحيحة، فلا تكفي للاعتماد عليها في العقائد؛ لأنّها من أخبار الآحاد، التي لا تورث إلّا الظنّ، و(إنّ الظنّ لا يغني من الحقّ شيئًأ)، وهذا أمر في غاية الأهمية في التعامل مع هذا النحو من الروايات.
دمتم موفقين لكل خير