السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ورد العديد من الروايات التي تحثُّ على طول السجود منها ما ورد عن النبي "ص" (من سجد سجدة حط عنه بها خطيئة ورفع له بها درجة) وعن مولانا الرضا"ع" يقول (أقرب ما يكون العبد من الله تعالى وهو ساجد وذلك قوله تعالى : واسجد واقترب).
أمّا عن سؤالك: كيف نصبح من أصحاب السجدة الطويلة؟
فيجب الالتفات إلى بعض النقاط بالغة الأهمّية:
1. ورد عن مولانا أميرالمؤمنين "ع" (قَلِيلٌ تَدُومُ عَلَيْه أَرْجَى مِنْ كَثِيرٍ مَمْلُولٍ مِنْه ) وهو مضمون وصية علماء الأخلاق بأن لا يبدأ الإنسان بعمل شاق على نفسه فيمل ويتوقف عن الاستمرار به فإن الأفضل والأرجى أن يبدأ الانسان بتدريب نفسه شيئا فشيئا ويراقب تقدّمه في هذا الأمر.
2. مراعاة مسألة إقبال وإدبار النفس فقد ورد عن مولانا أمير المؤمنين "ع" أنّه قَالَ (إِنَّ لِلْقُلُوبِ إِقْبَالًا وإِدْبَاراً فَإِذَا أَقْبَلَتْ فَاحْمِلُوهَا عَلَى النَّوَافِلِ وإِذَا أَدْبَرَتْ فَاقْتَصِرُوا بِهَا عَلَى الْفَرَائِضِ) وهذا من المباحث المهمّة وخلاصته أن أرعى حال نفسي فإذا كانت مدبرة عن العبادة بحيث تشعر بثقل شديد حين أداء العبادات وعدم رغبة فلا تكثير من السجود حينئذٍ، أما لو شعرت برغبة وإقبال وحافزيّة للعبادة فاسجد ما استطعت مع مراعاة النقطة الأولى.
3. التفكر في السجود والذكر فإنّ العبادات عن تفكر تنتقل بالعابد من حال إلى حال وتقرّبه أكثر وأكثر من الحق سبحانه وتعالى.
أمّا عن الذكر اليونسي وهو الجزء الأخير من سؤالكم فننقل لكم ما ورد في مقدّمة مجلّة شعائر التي كانت تصدر بإشراف المرحوم سماحة العلامة الشيخ حسين كوراني قدس الله نفسه:
(الذِّكر اليونسيّ هو قوله تعالى في الآية 87 من سورة الأنبياء: ﴿..لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ حكايةً عن النبيّ يونس عليه السلام، فبهذه الكلمات استُجيب له فنجّاه الله تعالى من بطن الحوت. وقد يقال السجدة اليونسيّة؛ يُراد بها الإتيان بهذا الذكر حالَ السجود.
وللذِّكر اليونسيّ منزلة خاصّة في تهذيب الباطن وقضاء الحوائج الدنيويّة، وهو بمنزلة استغفار متميّز كما يتّضح من الروايات الشريفة:
* ففي (طبّ الأئمّة) لابنَي بسطام النيسابوريّين، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «دُعَاءُ المَكْرُوبِ المَلْهُوفِ، وَمَنْ قَدْ أَعْيَتْهُ الحِيلَةُ، وَأَصَابَتْهُ بَلِيَّةٌ: ﴿..لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾، يَقُولُهَا لَيلَةَ الجُمُعَةِ إِذَا فَرَغَ مِنَ الصّلَاةِ المَكْتُوبَةِ مِنَ العِشَاءِ الآخِرَة».
* وعنه عليه السلام، من ضمن رواية: «...وَعَجِبْتُ لِمَنِ اغْتَمَّ كَيفَ لَا يَفْزَعُ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿..لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾، فَإنِّي سَمِعْتُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ بِعَقِبِهَا: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾..».
* وفي (الكافي) للكليني، عن الإمام الصادق عليه السلام أنّ رجلاً من أهل خراسان لقيَه بالرّبذة، فقال له: «جُعلت فداك! لم أُرزَق ولداً.
فقال له الإمام عليه السلام: إِذَا رَجَعْتَ إِلَى بِلَادِكَ، وَأَرَدْتَ أَنْ تَأتِيَ أَهْلَكَ، فَاقْرَأْ إِذَا أَرَدْتَ ذَلِكَ: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾، إِلَى ثَلاثِ آيَاتٍ، فَإِنَّكَ سَتُرْزَقُ وَلَدَاً إِنْ شَاءَ اللهُ».
ويؤكّد الفقهاء والعلماء الربّانيّون ضرورةَ المداومة على هذا الذّكر. قال الشيخ الملَكي التبريزي في (المراقبات): «كان لي شيخٌ جليلٌ أيّامَ تحصيلي في النّجف الأشرف، وكان مرجعاً لأتقياء طلَبة زمانه في التّربية، وسألته عمّا جرّبه من الأعمال البدنيّة في تأثير حال السالك إلى الله، فذكر أمرين:
أحدهما: أن يسجد في كلّ يوم وليلة سجدة واحدة طويلة، ويقول فيها: ﴿..لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾، يقصد بذلك أنّ روحي مسجونة في سجن الطبيعة، ومقيّدة بقيود الأخلاق الرذيلة، وإنّي بأعمالي جعلت نفسي مسجونة في هذا السجن، ومقيّدة بهذه القيود، وأُنزِّهُ ربّي من أن يكون هو الذي فعل بي ذلك ظُلماً، وإنّما أنا الذي ظلمت نفسي، وأوقعتها في هذه المهالك.
وكان يُوصي أصحابه بهذه السجدة، وكان كلّ مَن يعمل بها يعرف تأثيرها في حالاته لا سيّما من كان طول سجوده أكثر، وكان بعض أصحابه يقول ذلك ألف مرّة، وبعضهم أقلّ، وبعضهم أكثر، وسمعت أنّ بعضهم يقول الذِّكر ثلاثة آلاف مرّة.
والثاني: أن يتختّم بخاتم فيروزج أو عقيق..».
وفي رسالة الفقيه العارف السيّد علي القاضي إلى تلامذته حول الأعمال العبادية في رجب وشعبان وشهر رمضان، يقول: «وعليكم بالتزام الأوراد المعتادة التي هي بيد كلّ واحد منكم، والسجدة المعهودة من 500 إلى 1000». والسجدة المعهودة يعني بها السجدة اليونسية.
وسُئل السيّد عبد الكريم الكشميري عن نقطة البدء في ذكر الله تعالى، فقال: «قراءة القرآن، والسجدة اليونسيّة».
وعن السيّد هاشم الحدّاد أنه مفيدٌ في رفع الحُجُب عن القلب ومؤثّرٌ في معرفة النفس وفي معرفة الله تعالى.
وكيف كان، فإنّ كلمات العلماء المختصّين تلتقي عند أهميّة الذِّكر اليونسي، ويُمكن القول بأنّه يأتي في المرتبة الثانية بعد الصلاة على النبيّ وآله صلّى الله عليه وآله، وهي تقع في مرتبة الذِّكر الأولى.)
وفّقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى