وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
بداية كما ذكرت في السؤال إنّ جفاف الدمع من قسوة القلب وانشغاله، وعليه فلا ينبغي أن نكفَّ عن اتهام هذه النفس بالتقصير، فالمسألة ليست مجرّد ارتكاب للمعصية، فقد لا يرتكب الانسان المعصية ضمن فترة معينة، ولكن لا يكون عنده توجه إلى الآخرة بل يكون منشغلا في المباحات بلا أن يستغل أيامه فيما خُلِقَ له، أو أنَّ نفس عدم ارتكابه للمعصية لم يكن بسبب ضبطه لنفسه، بل لأن الفرص لم تسمح له بذلك، لذا هو لا يدرك جمال الطاعة، أو أنّ عنده ذنب لم يتب منه ومن آثاره أنه يحرمه الدمعة، فالأسباب كثيرة ومتنوعة، وعليه ما يمكن أن يُعالج هكذا قضية هو الخطوات التالية:
أولا- تجديد التوبة النصوحة بأن تأخذي خلوة مع نفسك تجددي فيها توبتك إلى الله تعالى من كل ما مضى من ذنوب، وتمضي في مراحل التوبة النصوحة من إحصاء حقوق الناس والله تعالى ومعالجتها بالأداء أو القضاء، وعقد النية والعزم على الطاعة مع قراءة أدعية ومناجاة التوبة "ويمكن لكِ مراجعة تفصيل ذلك في هذا السؤال:
كيفية التوبة
ثانيا- التوجه إلى الله تعالى بطلب طهارة القلب وسلامته، أي ان يرزقك ذلك ففي بعض الأدعية نقول" وأعني بالبكاء على نفسي" فإن كل نعمة هي توفيق ومنحة من الله تعالى والله هو الهادي والموفق وما بنا من نعمة فمنه لذا حرّي بنا أن نتوجه بهذا الطلب إليه.
ثالثا- اعلمي أنه قد ورد في بعض الروايات ما مفاده بأنك إن لم تستطيعي البكاء فتباكي، أي تعمّلي البكاء وتصنعي البكاء أو اعمدي إلى تذكر شيء يُحْزِنُ قلبك ويبكيك وادعي بعدها، فكأنك بهذا الأمر تليّنين قلبك وتلقّنين علميا نفسك هذه المرتبة من الطهارة، وعليه إن اشتقت إلى البكاء في الادعية ولم تقدري على ذلك، فقبل أن تبدأي بالدعاء تذكري أمرا يبكيك "كما لو تخيّلت وفاة أحد المقربين منك مثلا ورحيله عن هذه الدنيا، فستجدين اللين والطراوة في قلبك وعندها باشري الدعاء في هذه الحالة" وكي لا تستغربي هذا الامر، نذكر لك روايات "صحيحة، وموثقة" عن ذلك:
في رواية موثّقة:
- "عن أحمد بن محمد ، عن عثمان بن عيسى ، عن إسحاق بن عمار قال: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: أَكُونُ أَدْعُو فَأَشْتَهِي الْبُكَاءَ وَلَا يَجِيئُنِي وَرُبَّمَا ذَكَرْتُ بَعْضَ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي فَأَرِقُّ وَأَبْكِي فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ فَقَالَ نَعَمْ فَتَذَكَّرْهُمْ فَإِذَا رَقَقْتَ فَابْكِ وَادْعُ رَبَّكَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى(1)"
وهذا يدل على استحباب حمل النفس على البكاء ولو بذكر من مات من أولاده وأقاربه وأحبائه بل ما فات عنه من أمواله ونزل به من البلايا
في رواية صحيحة السند أيضا عن:
- محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن عنبسة العابد قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إِنْ لَمْ تَكُنْ بِكَ بُكَاءٌ فَتَبَاك(2).
وفي رواية موثّقة:
- عن ابن فضال ، عن يونس بن يعقوب ، عن سعيد بن يسار بياع السابري قال: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع إِنِّي أَتَبَاكَى فِي الدُّعَاءِ وَ لَيْسَ لِي بُكَاءٌ قَالَ نَعَمْ وَ لَوْ مِثْلَ رَأْسِ الذُّبَابِ(3).
والتباكي هو حمل النفس على البكاء، والسعي في تحصيله بما مر، وقيل : المراد به إظهار البكاء والتشبه بالباكين في الهيئة وهو أيضا حسن، فإن من تشبه بقوم فهو منهم، والأول أظهر، قال الجوهري في الصحيح: تباكى تكلّف البكاء.
وعليه ننصحكِ باتباع ما ذكرنا لك، وأمامك الخطوة متاحة في أي وقت، والله هو المنعم المفضل.
دمتم موفقين لكل خير.
الهوامش:
(1-3) الكافي (ط - الإسلامية)، ج2، ص: 483