عليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
قد أثيرت حول هذا الدعاء بعض الشبهات، ويمكن لنا أن نختصر لك الجواب عبر تقسيم البحث الى جهتين:
الجهة الأولى حول سند الدعاء، والجهة الثانية حول المضمون.
الجهة الأولى: سند الدعاء
ليس المطلوب في الأدعية ثبوت السند واعتباره، إذ يكفي صدق الدعاء عليه لجواز قراءته، ولكن هذا لا يعني أنه غير مأثور عن الأئمة عليهم السلام كما قد يُزعم، فالعلامة المجلسي يصرح ويقول:
'وجدت في نسخة قديمة من مؤلفات بعض أصحابنا رضي الله عنهم ما هذا لفظه:
هذا الدعاء رواه محمد بن بابويه عن الأئمة (عليهم السلام)، وقال: ما دعوت في أمر إلا رأيت سريع الإجابة'. بحار الأنوار ج99 ص247
فالدعاء منقول عن نسخة قديمة، ولا يصدق هذا إلا ما كان مصدره من مثل القرن السابع الهجري، وهو من تأليف بعض أصحابنا الإمامية، وعدم ذكر اسمه لا يخل في الأخذ بقوله ما دام لم يعلم وضعه.
وقد اختلف الفقهاء في أن المستحبات المنسوبة إليهم (عليهم السلام) والتي لم تثبت بطريق معتبر هل يؤتى بها بنية الاستحباب من باب التسامح في أدلة السنن أم أنه يؤتى بها بنية رجاء المطلوبية، وذلك تبعا لاختلافهم في فهم بعض الروايات المعتبرة حول هذه المسألة، ومهما كان رأيهم فهم متفقون على أن الفاعل للعمل يحصل على الثواب على العمل المنسوب إليهم السلام من باب التفضل الإلهي.
ولهذا قال المحقق العظيم الآغا بزرك الطهراني: هذا الدعاء المختصر مروى بألفاظه في كتابين قديمين من كتب الأصحاب منسوب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وأنّه أوصى به صاحب سره كميل بن زياد النخعي على نحو الاجمال
المصدر: كتاب الذريعة إلى تصانيف الشيعة 8 : 189.
إذا فالنتيجة الى هنا أنّ هذا الدعاء قد نسبه أكابر علماء الطائفة للأئمة (عليهم السلام)، وعلى أقل تقدير فهو دعاء مشهور ولا يضر به ضعف سنده بعد البناء على قاعدة التسامح بأدلة السنن.
انظر رأي السيد الروحاني.
الجهة الثانية: من ناحية المضمون (استطرادا):
إنّ مضمونه كما ذكرت في سؤالك يندرج في عموم قوله تعالى : ﴿ ... ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ... ﴾. "غافر:60"
وقوله تعالى : ﴿ ... وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ... ﴾"المائدة:35"
وقوله تعالى : ﴿ ... قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ... ﴾"الشورى:23"
وقوله تعالى : ﴿ ... مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ ... ﴾"سبأ:47"
وقال : ﴿ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا ﴾"الفرقان:57"
وإن أشكل البعض على المضمون من جهة أن الخطاب لغير الله تعالى أمر غير راجح، فنقول: أنه ثبت وفقا للقرآن أن هناك شفعاء ومنهم النبي (ص)، وتكاثرت الأدلة على شفاعة أهل البيت (عليهم السلام)، وهذا ما لا ينكره أحد من علماء الشيعة، وإذا كانت الشفاعة تتم على أيديهم (عليهم السلام) ، فإن مقتضى رجاء الشفاعة التوجه نحو الشفيع المباشر وإن كانت أصل شفاعتهم معطاة من قبل الله عز وجل.
وقد جرت الحكمة والسنة الإلهية في أن تجري الشفاعة على يد خلقه، سواء بين أفراد الأسرة كالأب يشفع لابنه أو بالعكس، أو بين الأقارب، أو بين المؤمنين، فلماذا يستثنى أفضل الخلق من هذه السنة؟
هذا مضافا الى وفرة الروايات التي يستدل بها على مشروعية هذا الفعل وننقل لك البعض القليل منها:
1 ـ روى ابن قولويه عن الإمام الصادق في زيارة الإمام الحسين (عليهما السلام):
«فكن لي في يوم حاجتي ...» . كامل الزيارة ص437 ح2
2 ـ روى أيضا عن الإمام الهادي في زيارة الإمام الكاظم والجواد (عليهم السلام)، قال:
«فاشفع لي عند ربك». المصدر السابق ص502 ح1و2
3 ـ وروى عنهم في زيارة الإمام الرضا (عليهم السلام):
«فكن لي شفيعا إلى ربك» . المصدر السابق ص518 ح2
4 ـ وروى عنهم في زيارة الإمام الحسين (عليهم السلام):
«أشهد أنك على بينة من ربك، جئتك مقرا بالذنوب، اشفع لي عند ربك ». المصدر السابق ص379 و380 الحديث 9 و10، والظاهر أنهما حديث واحد
5 ـ وروى أيضا عن الإمام الهادي ع في زيارة أمير المؤمنين ع:
«فاشفع لي إلى ربك» . المصدر السابق ج4 ص569 ح1
6 ـ وروى عن الإمام الصادق ع في زيارة الإمام الحسين ع أنه قال:
«فكن يا سيدي شفيعي لقبول ذلك مني ». كامل الزيارات ص485 باب97 ح7
7 ـ روى الشيخ الصدوق عن الإمام الهادي ع أنه قال في الزيارة الجامعة الكبيرة:
«يا أولياء الله إن بيني وبين الله عز وجل ذنوبا لا يأتي عليها غير رضاكم فبحق من أئتمنكم على سره واسترعاكم أمر خلقه وقرن طاعتكم بطاعته لما استوهبتم ذنوبي وكنتم شفعائي» . عيون أخبار الرضا ع ج1 ص309، من لا يحضره
الفقيه ج2 ص616، تهذيب الأحكام ج6 ص100
إذن، النتيجة أخي السائل أنَّ هذا الدعاء لا اشكال فيه لا من جهة السند (لا اقل من باب التسامح في أدلة السنن أو العمل به برجاء المطلوبية) ولا من جهة المضمون وعليه فإن قراءته بلا شك من الأعمال المستحبة ونسألك ان لا تنسانا من دعائك بعد قرائته.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.