انا شخص مبتلى بممارسة العادة السرية، وقد قمت بجميع الاعمال التي تردعني عن ذلك من الصيام والنذر وقراءة القرآن ولكن سرعان ما اعاود ذلك الذنب، وانا في سن لايسمح لي بالزواج، فما هو الحل فالامر لم يعد محتملا عندي؟
تاريخ اليوم
تاريخ اليوم:
تاريخ اليوم
اللغة:
حجم الخط:
الوضع الليلي | النهاري
brightness_autoتاريخ اليوم:
تاريخ اليوم
اللغة:
حجم الخط:
الوضع الليلي | النهاري
brightness_autoوعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
بداية أخي العزيز، لا بدّ من التأكيد على مبدأ علاج أي مشكلة، أو منهج التغيير في السلوك العام، وهو أنّ السلوك هو ترجمان للمشاعر المتولدة من الأفكار، فالفكرة تزرع شعورا يدفع الجسد إلى ترجمته بالسلوك. مثلا، الأفكار الاجرامية تزرع مشاعرا منقبضة تؤدي إلى سلوك عدائي، بينما أفكار الرحمة تزرع مشاعر الود وتؤدي إلى سلوك عاطفي طيب.
تطبيق هذه المسألة على مثال:
إقدام الرجل على مساعدة الفقير كسلوك يكون مسبوقا بمشاعر العطف المسبوقة بأفكار عن أهمية هذا الفعل.
لذا قيل راقب افكارك لانها ستصبح افعالا وراقب افعالك لانها ستصبح عادة وراقب عاداتك لانها ستغير مصيرك.. (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ)
طريقة تغيير السلوك منهجيا:
إنّ تغيير السلوك هو حصيلة تغيير المشاعر وتغيير الأفكار، لذا منهجيا إذا أردتُ أن أغيّر سلوكي يجب عليَّ العمل على حقل نظري وحقل عملي:
الحقل النظري:
فيه التأسيس الفكري للنتيجة المنشودة وبالمسألة المطروحة (الادمان على مشاهدة الأفلام وممارسة العادة)، ربما لديك اخي معلومات عن قبح هذا الأمر وخطورة اقترافه والعقوبة التي يستحقها فاعله ولكن يبقى أنه من المفيد بعدما قُدّم سالفًا أن تجمع كل المعلومات النظرية لأنها تعزز الجانب الفكري الذي سوف يعينك على تغيير المشاعر وبالتالي انقباض السلوك، لذا اخي العزيز لا تكتفي بما قرأته برواية أو روايتين من الذم على هذا الفعل بل اسعى إلى المزيد من القراءة، لأن القراءة هنا ليست لاجل العلم بل لأجل التعبئة النظرية، فلا سقف لها وإن اصبحت تكرارا.
وفي المجال الفكري أيضًا يُنصح أخي بالانتقال إلى ملازمات هذا الامر فلا تكتفي باستجماع الفكر عنه بل فكّر بكل ما يرتبط به من أمور فكم من مزاج سيء حل بك قد قادك إلى التراجع في العديد من الصعد، استجمع هذه الافكار واكبتها لتشكّل بذلك الملف العلمي التام عن هذا الأمر وكما ذكرت ليس للعلم بل للتعبئة فلا تجعل نفسك تحسم لك الأمر بأنّك على اطلاع على كل شيء، فربما تعبيرٌ معينٌ في رواية ما يكون له وقعٌ في هذا الظرف الزمني المعين فعالم الروح خفيٌّ علينا وقد أمرنا بالتزود دائما..
مختصر الحقل النظري:
فمختصر ما يراد أولا من الحقل النظري هو تأسيس وتشييد صرح علمي عن المسألة: ايجابيات الترك وسلبيات الفعل والمصادر العلمية الدينية والنفسية عن ذلك وفيرة وانت من اهل العلم والمعرفة..
الحقل العلمي:
1- اقض على لحظات الفراغ.
2- ابتعد عن الأماكن التي تعلم أنّها تذكرك وتساعدك على القيام بذلك الأمر.
3- قلّل من الاكل المقوي للشهوة (سمك افوكا مكسرات عسل الخ..).
4- اشغل الجسد بأفعال تصرف من طاقته من قبيل الرياضة والسباحة.
5- إن استطعت تخلّص من كل ما يذكرك بذلك الأمر (تغيير هاتف او اغراض معينة لتشكل لنفسك بداية جديدة)
ملاحظة: لم أتعرض اخي العزيز للأمور الأخرى التي ذكرت أنك على اطلاع بها أو فعلتها "من قبيل الصوم أو النذر أو القرآن الخ
كلام من نوع آخر
إن أردنا أن نبتعد عن لغة العلم والمناهج، ونفتح المجال لكلام من نوع آخر، فأقول لك اخي العزيز:
أعلن الهزيمة والانكسار، قل لله تعالى: " أنا عجز محض، وضعف محض"، قل له "أنا العاصي إن لم تعصمني، وأنا الضال إن لم تهدني".
ربما نحن قد نتكل على أنفسنا شركا دون أن نعلم، والله يريد أن يوصلنا إلى حقيقة التوكّل، ويعرّفنا على قطرة من بحر التوحيد القاضي أن كل شيء بيده.
فتُقْفَلُ أمامك كل السبل، لتعلم علم اليقين أن ليس لك من الأمر شيء، فإمّا أن تتوجه إليه تعالى بكلّك لتعلن الهزيمة وتعلن حاجتك لأمانه بعد أن يئست من نفسك وغيرك، أو تصيّره والعياذ بالله أهون الناظرين إليك وتكابر على نفسك أنّك على خير ولا انكسار لك في البين.
أخي من منا لا يخطأ؟
ومن منا لا يضعف؟
المؤسف أنّنا تغرّنا رحمة الله وستره وعلمنا أنه لن يفضحنا ولن يسارع في معاقبتنا على أعمالنا.
يؤسفنا عزيزي أن هذا الذنب منا ينقلب سببا لمحبتنا، فنتعرف على الجمال من قبح هذه الذنوب، حسرة علينا عزيزي أن حسناتنا قد تكون حقيقتها ذنوبا استبدلت.
من جمال هذا الرب أنه لا يقبل أن يُذكّرنا بشيء إذا أردنا ان نتغير، لا يقبل أن نلتفت الى الماضي طالما تغيّرنا،
لا يعيّر،
لا يبقي أثرا،
يغفر ولا يبالي،
بل أَمَرَنا عزيزي أن لا نستعظم عفوه إن عفا عنا، فالله غافر غفور غفّار، أي: يبالغ في الغفران.
كأنه يقول لك، ملفك عندي لا تحمل همّه، فقط قل أنّك تريد أن تتغير.. وإن كانت هذه نيتك فلكل امرىء ما نوى.
نحن لا نعصي الله تحديا ولا استكبارا والله يعلم أنّ هذا هو حالنا.
نحن نعصيه ضعفا ويغرّنا ستره ومحبته والا لو كنا نعلم انه يسارع في العقوبة لن يبادر الى معصيته احد.
فكم من المخجل اننا نقابل هذا الجمال بهذا الاستغلال!
نحن نستغل جماله أيها العزيز، للأسف هذا حالنا، وهو يعلم ضعفنا، ولكن القليل منا من يعلن استسلامه وهزيمته ويتوجه وحاله هذه إلى الله تعالى ويقول له: "إلهي هذا مقام من لاذ بك وانقطع اليك، هذا مقام من تداولته ايدي الذنوب وقادته أذّمة الخطايا واستحوذ عليه الشيطان"..
الاعتراف الاعتراف، كلما أذنبت فلا تَرضَ لنفسك أن تستصغر الذنب، قل "إلهي انا مذنب ونفسي تخادعني وتريد ان تستصغر ذنبها فانصرني".
لا تترك هذا الامر، فإن حدثتك نفسك باليأس فقط تذكر انت بين خيارين إما أن تيأس وتبقى على حالك وتستمر بأفعالك، أو أن تُقبل على التوبة التي أنت ربما تشك أنك قد تخالفها في زمن لاحق، والله لا يرضى بالأول، ويطلب منك الثاني.
اقتصر على أنك تريد ان تتوب، ولا تشغل نفسك بأنك ستخالف بعد ذلك، فالتوبة أمام اليأس نجاة.
ربما سيدركك الموت أثناء توبتك قبل مخالفتك فتكون قد نجوت، وربما يدركك الموت قبل توبتك التي تسوّفها فتهلك.
من يضجّ من ذنوبه، ويسعى وراء كل هذه الخطوات للتغيير التي ذكرتها في سؤالك، فهذا دليل على خيره وصلاحه، فلا تجلد نفسك كثيرا، وإياك وانت بهذا الحال أخي أن تقصّر في الستر والعفو عن ذنوب الناس، واياك ثم إياك عزيزي أن تنظر إلى الفاسق منهم على انك أفضل منه، ازدد تواضعا ورحمة وعطفا وسترا على خلق الله واعنهم ما استطعت، وليكن ذلك سبيلك إلى طلب الرحمة والستر والمعونة من الله، فقد عصيته بأفعالك فاطلب المغفرة بأفعالك لا بلسانك فقط، وادعو بدعاء خالص لأحد اخوانك بالستر وغفران الذنوب.
اجعل ذلك الأخ أمام عيني قلبك، واسال الله تعالى بقلب خالص أن يغفر له ويستر عليه ويوفقه، وحاشى للكريم دائما أن يقبل دعائك لاخيك ويمنعك خيره، فالله فيضه دائم بدوامه فقط عليك أن تفتح مصارع قلبك عبر احسانك لخلقه....
حماك الله ورعاك وسددك وايدك وغفر لنا ولك.