ما تفسير قوله تعالى(لكم دينكم ولي دين) واريدها مع السبب نزول واحاديث نبوية او احاديث من الائمة عليهم السلام.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
نشير أولًا إلى أنّ لفظة (دين) يحتمل أن يكون مرادًا بها الجزاءُ، فتكون الآية مبيّنةً لاستقلال جزاء النبيّ (صلّى الله عليه وآله) عن جزاء الكفّار، فلا ينفعهم صلاحه واستقامته، ولا يضرّه فسادهم وانحرافهم؛ فلهم جزاؤهم وله جزاؤه.
وإذا كان المراد من الدين: مجموعة المعتقدات والسلوك المتولّد عنها، فالآية في مقام تقرير الانفصال والتبرّؤ من معتقدات الكافرين. وليست الآية في مقام بيان جواز التعبّد بكلّ دين، هذا لا يفيده اللفظ، ولا يقرّه التدبّر في الآيات القرآنيّة. ولعلّ أقرب آية يشتبه فيها الناس هي قوله تعالى: (فَمَن شَآءَ فَلۡيُؤۡمِن وَمَن شَآءَ فَلۡيَكۡفُرۡۚ)، فقد يقال: إنّ الله تعالى ـ والعياذ بالله ـ قال للناس: إن شئتم فاكفروا بالإسلام واختاروا الدين الذي تشاؤون، لكنّك إذا أكملت الآية علمت أنّ هذا ليس تجويزًا لاختيار المعتقد بحيث لا يستتبع عقابًا، فتتمة الآية: (إِنَّآ أَعۡتَدۡنَا لِلظَّٰلِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمۡ سُرَادِقُهَاۚ وَإِن يَسۡتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٖ كَٱلۡمُهۡلِ يَشۡوِي ٱلۡوُجُوهَۚ بِئۡسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتۡ مُرۡتَفَقًا) [الكهف: 29]
وسياق سورة الكافرون تكرر فيه نفي عبادة الرسول لآلهتهم ونفي عبادتهم لله ربّ العالمين، وهذا هو الانفصال بعينه. وما نفي عبادة آلهتهم إلّا لأنّها باطلة.
قال العلامة الطباطبائي ـ في مدخل تفسير سورة الكافرون ـ: "فيها أمره صلى الله عليه وآله وسلم أن يُظهر للكفار براءته من دينهم ويخبرهم بامتناعهم من دينه فلا دينه يتعداه إليهم ولا دينهم يتعداهم إليه فلا يعبد ما يعبدون أبدا ولا يعبدون ما يعبد أبدا فلييأسوا من أي نوع من المداهنة والمساهلة"(الميزان في تفسير القرآن ج20، ص375).
وأمّا سبب النزول فقد روي في سيرة ابن هشام (تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد) (ج2، ص10): "وَاعْتَرَضَ رسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ -فِيمَا بَلَغَنِي- الأسودُ بنُ الْمُطَّلِبِ بْنِ أسَد بْنِ عَبْدِ العُزى، وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَالْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ، وَكَانُوا ذَوي أَسْنَانٍ فِي قومِهم، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، هلمَّ فَلْنَعْبُدْ مَا تعبدُ، وَتَعْبُدُ مَا نَعْبُدُ، فَنَشْتَرِكُ نَحْنُ وَأَنْتَ فِي الْأَمْرِ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي تَعْبُدُ خَيْرًا مِمَّا نَعْبُدُ، كُنَّا قَدْ أَخَذْنَا بحظِّنا مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ مَا نَعْبُدُ خَيْرًا مِمَّا تَعْبُدُ، كُنْتَ قَدْ أَخَذْتَ بحظِّك مِنْهُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فيهما: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ، وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}". انتهى.
وليراجع البحث الروائي في تفسير الميزان للاستفادة من أحاديث المعصومين عليهم السلام (ج20، ص375).
دمتم موفقين لكل خير