بما انّ المجتمع يسير نحو مناهضة حقوق المرأة واول من اهتم بمكانة المراة في المجتمع الاسلام الأصيل بودي ان اسأل عن مكانة المرأة في زمن الامام علي عليه السلام ؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته:
مكانة المرأة في زمن الإمام علي عليه السلام هي مكانة المرأة في الإسلام بلا فرق، فالإمام عليه السلام هو إمام هذه الشريعة الغراء التي رسّخت أنّ الكرامة عند الله معيارها هو التقوى{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]، وأنّ الله لا يضيع أجر المحسنين:{أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران: 195]، فالمرأة والرجل من ناحية الروح والكرامة عند الله لا فرق بينهما، وقد تكفّل الإسلام بحقوق المرأة من قبيل العِشرة الحسنة واختيار الزوج والملكية والتكسب.
وأمّا إن أراد السائل خصوص النظر في زمن أمير والمؤمنين وسيرته ونظرته إلى المرأة، فيمكن إبراز ذلك من خلال بعض كلامته وسيرته:
أما كلامه عليه السلام، فقد ورد عنه عليه السلام أنه قال: "لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة"، أي إن المرأة ريحانة وزهرة تُعطّر المجتمع بعطر الرياحين والزهور، ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: {فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم}[الواقعة-89] والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة.
أما سيرته:
فممّا لا شك ولا ريب فيه أنّ سيرة علي(عليه السلام) مع زوجته السيدة الزهراء(عليها السلام) كانت سيرة عطرة ونموذجاً رائداً يُحتذى، فقد كان يجلّها ويحترمها ويقدّرها أفضل تقدير ويكرّمها أفضل تكريم، ويقاسمها العمل في البيت، ولم يبدِ تجاهها كلمةً واحدةً تؤذي مشاعرها، أو تحطّ من كرامتها.
صحيح أنّ الزهراء(عليها السلام) هي إمرأة استثنائية ومميّزة في أخلاقها ومتسامية في روحانيتها، لكنّ ذلك لا يُلغي دلالة سيرة علي(عليه السلام) معها على رؤيته للمرأة عموماً، لأنّه لو كان لديه نظرةٌ سلبيّة تجاه المرأة فمن الطبيعي أن ينعكس ذلك على فلتات لسانه أو صفحات وجهه تجاه المرأة التي هي في مواجهته صبحاً ومساءً، لكننا لا نجد شيئاً من ذلك، بل الأمر على العكس تماماً، فقد كانت الزهراء(عليها السلام) مصدر الأنس والراحة لعلي(عليه السلام)، وقد عبّر(عليه السلام) عن هذا المعنى خير تعبير عندما قال فيما رُوي عنه: فوالله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمرٍ حتى قبضها الله عز وجل إليه، ولا أغضبتني ولا عَصَتْ لي أمراً، ولقد كُنْتُ أنظرُ إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان» [كشف الغمة في معرفة الأئمة، ج1 ص373]
فلاحظ المقطع الأخير من كلامه(عليه السلام) لتعلم مكانة الزهراء(عليها السلام) عند علي(عليه السلام).
ولو دخلنا إلى تفاصيل حياته المنزليّة، لوجدناه يتقاسم مع زوجته مسؤولية البيت، فلم يكن يرى أنّ العمل في البيت كالكنس والاستسقاء (طلب الماء) أو غير ذلك من الأعمال منافياً لرجوليته، كما لا يزال مركوزاً في أذهان بعض الرجال في الكثير من البلدان والمجتمعات، وقد ورد في الحديث عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) بيان هذا الأمر، قال: كان عليٌ(عليه السلام) أَشْبَهَ النَّاس طُعْمَةً وسِيْرَةً برسول الله(صلى الله عليه وآله)، وكان يأكلُ الخبز والزيت ويُطْعِمُ الناسَ الخبزَ واللحم، قال: وكان علي(عليه السلام) يستقي ويحتطب، وكانت فاطمة(عليها السلام) تطحن وتعجن وتخبز وترقع..» [الكافي، ج8 ص165]
ومن أبلغ وأجمل كلمات علي(عليه السلام) التي تدلل على مكانة الزهراء(عليها السلام) السامية لديه، قوله(عليه السلام) بعد دفنها مخاطباً رسول الله(صلى الله عليه وآله): السلام عليك يَا رَسُولَ اللَّه عَنِّي، والسَّلَامُ عَلَيْكَ عَنِ ابْنَتِكَ وزَائِرَتِكَ والْبَائِتَةِ فِي الثَّرَى بِبُقْعَتِكَ والْمُخْتَارِ اللَّه لَهَا سُرْعَةَ اللَّحَاقِ بِكَ، قَلَّ يَا رَسُولَ اللَّه عَنْ صَفِيَّتِكَ صَبْرِي، وعَفَا عَنْ سَيِّدَةِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ تَجَلُّدِي، إِلَّا أَنَّ لِي فِي التَّأَسِّي بِسُنَّتِكَ فِي فُرْقَتِكَ مَوْضِعَ تَعَزٍّ.. قَدِ اسْتُرْجِعَتِ الْوَدِيعَةُ وأُخِذَتِ الرَّهِينَةُ وأُخْلِسَتِ الزَّهْرَاءُ فَمَا أَقْبَحَ الْخَضْرَاءَ والْغَبْرَاءَ، يَا رَسُولَ اللَّه أَمَّا حُزْنِي فَسَرْمَدٌ، وأَمَّا لَيْلِي فَمُسَهَّدٌ وهَمٌّ لَا يَبْرَحُ مِنْ قَلْبِي أَوْ يَخْتَارَ اللَّه لِي دَارَكَ الَّتِي أَنْتَ فِيهَا مُقِيمٌ..» [المصدر نفسه، ج1 ص459]
ولو غضضنا الطرف وصرفنا النظر عن علاقة علي(عليه السلام) بزوجته السيدة الزهراء(عليها السلام)، ولو بلحاظ ما ألمحنا إليه قبل قليل من أنّ لها خصوصيةً لا تدانيها ولا تساميها فيها إمرأة أخرى ما قد يستدعي نوعاً خاصاً من التعاطي معها، فإنّ من الممكن أن نستجلي موقفه من المرأة من تعامله مع سائر زوجاته. فإنّ علياً(عليه السلام) قد تزوج بعد وفاة الزهراء(عليها السلام) بنساء أخريات، ولم يَكُنَّ في مكانة الزهراء(عليها السلام)، ولم يرقيْن إلى مقامها السامي، ومع ذلك لم ينقلْ عنه أنّه أساء إليهن أو أهانهن. بل كان - بحسب ظاهر الحال - يحترمهن جميعاً من موقع احترامه لإنسانية المرأة، ولم يتصرّفْ معهن بما يوحي بدونيّة المرأة أو احتقارها.
ومن أبرز المؤشرات - أيضاً - التي يمكن من خلالها استجلاء موقف الإنسان ورأيه في المرأة: كيفية تعامله مع بناته، وعنايته بهن وإعداده لهنّ، واهتمامه بأمورهن، وهنا يواجه الباحث والدارس لسيرة علي(عليه السلام) ويبرز أمامه اسم واحدةٍ من بناته، وهي السيّدة زينب(عليها السلام). وزينب ليست امرأة عادية، إنّها - بحق - شخصيّة استثنائية متميزة، علماً وعملاً، إيماناً وورعاً، جهاداً وإخلاصاً، شجاعةً وأدباً، وخُلُقَاً ومنطقاً، وقد استمدّت ذلك وورثته من أبيها أمير المؤمنين(عليه السلام) وأمّها فاطمة(عليها السلام)، ما مكّنها من أن تقوم بدور ريادي في تلك المرحلة من تاريخ الأمة، وهو إكمال رسالة أخيها الحسين(عليه السلام) في نهضته المباركة. وما كان لزينب(عليها السلام) أن تصل إلى هذه المكانة المميزة والمرموقة لولا رعاية أمير المؤمنين(عليه السلام) وتربيته لها، بالإضافة إلى رعاية أمها السيدة الزهراء(عليها السلام).
ولا نبالغ بالقول: إنّنا نرى علياً(عليه السلام) في كل مواقف زينب البطولية، وفي شجاعتها ووقوفها بكل عنفوان في وجه يزيد بن معاوية في الشام، مع أنّها كانت أسيرة بين يديه.
إلى ما تقدّم، فإنّ المحطة الأكثر دلالة على حضور المرأة في حياة أمير المؤمنين(عليه السلام)، وإيمانه بدورها، تتمثّل في تربيته وإعداده لجيلٍ رسالي من النساء اللواتي جلسْن تحت منبره يستمعن إليه ويستقيْن من معينه، وقد قُمْنَ بأدوارٍ هامة في فترة حكمه. فقد كانت المرأة تخرج مع علي(عليه السلام) في معاركه وحروبه، وتشارك في الأعمال التمريضية ومداواة الجرحى، كما كانت تخرج مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) من قبل للغرض نفسه، وكانت تقوم - أيضاً - بدور آخر، وهو دور التعبئة الروحيّة والنفسيّة للجيش، وذلك من خلال الأشعار والخطب الحماسية التي كانت تنشدها وتلقيها على مسامع المجاهدين، فتثير حماستهم وشجاعتهم، وتلهب مشاعرهم، وترفع من معنوياتهم. وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه المهمة قد قامت بها المرأة في الجاهلية أيضاً، واستمرّ قيامها بذلك إلى ما بعد بعثة النبي(صلى اللهه عليه وآله) ومع مجيء الإسلام استمرّت المرأة بالقيام بهذا الدور، وقد وجدنا ذلك واضحاً في بعض معارك الإمام علي(عليه السلام) كمعركة صفين، وفعلُ علي(عليه السلام) هو دليلُ شرعيّة هذا العمل، الأمر الذي ينبغي أن يدفع الجيوش الإسلامية وحركات المقاومة في زماننا المعاصر إلى دراسة هذا الأمر والتفكير في كيفيّة الاستفادة من عنصر النساء على هذا الصعيد (صعيد التعبئة النفسيّة) بما لا يتنافى مع الحفاظ على عفّة المرأة وحياءها، ولا سيّما أنّ ذلك قد غدا أكثر سهولة ويسراً في هذا الزمن، بسبب توفر وسائل الاتصال والتواصل الحديثة التي يمكن الإفادة منها في هذا المجال.
وفي ضوء ذلك، يكون من المنطقي الاستنتاج بأنّ أمير المؤمنين(ع) - حتى بصرف النظر عمّا نعتقده فيه - لا يمكن أن يصدر عنه أي كلام أو موقف فيه تحقير للمرأة أو إهانة لكرامتها أو إساءة لإنسانيتها، فإنّ هذا مخالفٌ لسيرته العمليّة مع المرأة، كما هو مخالف لخُلقه الرفيع وتربيته الخاصة، فهو(عليه السلام) - كما أسلفنا سابقاً - ربيب القرآن الكريم وأكثر الناس - بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) - فهماً لحقائقه ووعياً لمضامينه ومفاهيمه وعملاً بأحكامه وتعاليمه، فأنّى له أن يتخذ مواقف أو يتكلّم بكلمات تحطّ من قدر المرأة، مخالفاً بذلك تعاليم القرآن ونصوصه التي تقدّمت الإشارة إليها.
ولو نظرنا إلى سيرة بعض النساء اللاتي تربين في مدرسة علي(عليه السلام)، ونَهَلْنَ من معينه، وأَخَذْنَ عنه الفصاحة والشجاعة والحكمة، سنكتشف في ربوع هذه المدرسة عدداً وافراً من ذوات الفضل والدين والأدب والشجاعة والجرأة في قول الحق ومواجهة الظالمين، ولئن كان التاريخ قد نقل لنا بعض قصصهن ومواقفهن على هامش حديثه عن السلطان، فمن المؤكّد أنّ الكثيرات منهن لم يلقيْن الاهتمام الكافي ولم يُثِرْن حفيظة المؤرّخين، فالمرأة ولا سيما المجاهدة والرسالية هي خارج هموم السلطة التي كُتب التاريخ باسم ملوكها وأمرائها، ولهذا فلا غرو أن يخفى علينا الكثير من حقائق هذا التاريخ ودروسه ومحطاته المشرقة. ومن ذلك التاريخ المهمل، الدورُ الذي قامت به العديد من الشخصيات النسوية الرائدة.
وخلاصة القول: إنّ المرأة كانت حاضرة تحت منبر علي(عليه السلام) وفي حروبه وسائر نشاطاته، وقد سجّل لنا التاريخ مواقفَ مشرّفةً ومشهودة لبعض النساء اللاتي تربيْن في مدرسة علي(ع) مثل " أم الخير البارقية " و"سودة الهمدانية" و" أم سنان المذحجيّة" و" الدارمية الحجونية" و"بكارة الهلالية" و"أم البراء" و"أم الهيثم النخعيّة" وغيرهن..
وعليه فالمرأة في زمن عليه عليه السلام هي المرأة في زمن الإسلام، التي لا فرق بينها وبين الرجل في الكرامة عند الله من حيث الضابطة والميزان، وقد تبين لنا فكر الامام عليه السلام تجاه نشأة المرأة المسلمة أن تكون ذا شخصية مؤثرة في المجتمع ولها كيانها وحقوقها التي يجب أن تطالب بها بكل عزم وثبات وقد أبرز عليه السلام دور المرأة الفاعل في المجتمع ولاسيما أنها اللبنة الأساسية في المجتمع والشريك الأساسي في حق تكوين الأسرة وتربية الأطفال وصيانة حقوقهم، وخير دليل على ذلك وصيته الأخيرة لابنه الحسن عليه السلام التي جاء فيها: الله الله فی النساء وفیما ملكت أیمانکم، فإنّ آخر ما تکلّم به نبیکم علیه السلام قال: أوصیکم بالضعیفین، النساء وما ملکت أیمانکم.
دمتم موفقين لكل خير