عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وتقبّل الله أعمالكم.
لقد طرحتم فرضيّة يذكرها المفسّرون عادةً في توجيه الجمع عندما يكون الفاعل هو الله سبحانه وتعالى، ألا وهي بيان التعظيم، ورددتموها بأمرين:
الأول: أنّ الله تعالى لا يحتاج إلى تعظيم.
والثاني: أنّه قد يرد الجمع والمفرد في آية واحدة، فلو كان يريد التعظيم لاستعمل الجمع فقط.
فأمّا الأمر الأول فمن قال: إنّ بيان التعظيم هو من أجل حاجته سبحانه إلى التعظيم؟ هذا أول الكلام، فالله تعالى لا يحتاج إلى شيء، وكل شيء محتاج إليه، هو الصمد. ولكنّ بيان التعظيم من أجل أن يستشعر الإنسان عظمة ربه سبحانه وتعالى، وهذا أسلوب من أساليب العرب، بل غير العرب يستعملونه، كالترك والفرس. على أنّ الله تعالى يريد منّا أن نذكره ونعظّمَه ونكبّره ونسبّحه، فهل يصحّ أن يقال: إنّه أراد ذلك وأمرنا به لحاجته إليه؟! فالقول إنّ الجمع لبيان التعظيم لا يلزم منه محذور عقديّ البتّة.
وأمّا الأمر الثاني: فلا ينفي إرادة بيان التعظيم، بل يقال: إنّه تعالى حيث أراد بيان التعظيم استعمل الجمع، فهو في الآية نفسها يريد بيان التعظيم في موضعٍ دون موضعٍ، أين المحذور في ذلك؟
والجواب هو الجواب عمّا ذكرتموه في آخر السؤال من استعمال الجمع في آية والإفراد في آية أخرى مع أنّ الحديث فيهما عن موضوعٍ واحد.
ونضيف:
1- أنّ تغيير الضمائر من الإفراد إلى الجمع ومن الجمع إلى الإفراد يسمّى بالالتفات ومن فوائده العامّة تنشيط ذهن السامع.
2- وأنّ بعض المفسّرين يرون أنّ الفعل الذي يسند إلى الجمع يراد به الإشارة إلى فعل الملائكة، فهناك أفعال يفعلها الملائكة بإذن الله، فتسند إليه تعالى وإليهم، لأنّهم الوسائط.
ولكنّ فيه: أنّ بعض الأفعال لا نحتمل فيها مشاركة الملائكة، كفعل الخلق. وكفعل الإعطاء في مقام المنّ على العبد، كقوله تعالى لرسوله: (إنّا أعطيناك الكوثر).
دمتم موفقين لكل خير