ما هي الادلة الاعجازية غير النحوية على معجزة القرآن؟
تاريخ اليوم
تاريخ اليوم:
تاريخ اليوم
اللغة:
حجم الخط:
الوضع الليلي | النهاري
brightness_autoتاريخ اليوم:
تاريخ اليوم
اللغة:
حجم الخط:
الوضع الليلي | النهاري
brightness_autoوعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
نرى أنّه يجب تصحيح السؤال، لعلّ مقصودكم من الإعجاز النحويّ هو ما يتعلّق بعلوم اللغة، لا النحو الذي هو العلم الباحث عن أحوال الكلمة من حيث البناء والإعراب.
إذا كان مقصودكم هذا، أي: هل هناك إعجاز في القرآن غير الإعجازي من حيث اللغة؟
فالجواب: القرآن مُعجِزٌ في كلّ جانبٍ من جوانبه وإن كان الأساس هو الإعجاز اللغويّ، فإنّ الذين تحدّاهم القرآن هم أهل اللغة الذين كان البيان صنعتَهم، وبيان الإعجاز من هذه الناحية: لو كان القرآن من عند غير الله، إذن فأنتم تستطيعون أن تؤلّفوا سورةً في مستواه أو تفوقه فصاحةً وبلاغةً.
ونبيّن هنا جانبًا آخر من جوانب الإعجاز، وهو معنويٌّ لا ربط له باللغة بشكلٍ مباشر، وهو إعجازه بعدم الاختلاف فيه، بيانه ـ كما نصّت آية من آياته الكريمة ـ: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) (النساء: 82)، فكلّ من هو غير الله سبحانه إذا ألّف كتابًا وقع فيه الاختلاف. وبهذا يكون عدم الاختلاف إعجازيًّا.
ومن جوانبه المعاني المطابقة للواقع فإنّه لا يحيط علمًا بالأشياء التي نعبّر عنها بقوالب لفظيّة سوى الله، كما قال تعالى: (لَّٰكِنِ ٱللَّهُ يَشْهَدُ بِمَآ أَنزَلَ إِلَيْكَ ۖ أَنزَلَهُۥ بِعِلْمِهِۦ ۖ وَٱلْمَلَٰٓئِكَةُ يَشْهَدُونَ ۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدًا) (النساء: 166)، فكلّ لفظٍ من الألفاظ القرآنيّة وكلّ تركيبٍ دالّ على ما ينبغي أن يدلّ عليه في الواقع، ولا يسع غير الله أن يعبّر كذلك. ومن هذا الإنباءُ بالغيب، كما في قوله تعالى: (غُلِبَتِ ٱلرُّومُ (٢) فِيٓ أَدۡنَى ٱلۡأَرۡضِ وَهُم مِّنۢ بَعۡدِ غَلَبِهِمۡ سَيَغۡلِبُونَ (٣) فِي بِضۡعِ سِنِينَۗ لِلَّهِ ٱلۡأَمۡرُ مِن قَبۡلُ وَمِنۢ بَعۡدُۚ وَيَوۡمَئِذٖ يَفۡرَحُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ (٤) بِنَصۡرِ ٱللَّهِۚ يَنصُرُ مَن يَشَآءُۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ (٥)) (الروم: 2-5).
وهاتان الجهتان لا تسمّيان إعجازًا لغويًّا، كما هو واضح.
وننقل هنا نصًّا للعلامة الطباطبائي من تفسير الميزان: (فالقرآن آيةٌ للبليغ في بلاغته وفصاحته، وللحكيم في حكمته، وللعالم في علمه، وللاجتماعي في اجتماعه، وللمقنّنين في تقنينهم، وللسياسيين في سياستهم، وللحكّام في حكومتهم، ولجميع العالمين فيما لا ينالونه جميعًا كالغيب والاختلاف في الحكم والعلم والبيان.
ومن هنا يظهر أنّ القرآن يدّعي عموم إعجازه من جميع الجهات من حيث كونه إعجازًا لكل فرد من الإنس والجن من عامة أو خاصة أو عالم أو جاهل أو رجل أو امرأة أو فاضل بارع في فضله أو مفضول إذا كان ذا لبّ يشعر بالقول، فإنّ الانسان مفطور على الشعور بالفضيلة وإدراك الزيادة والنقيصة فيها، فلكلّ إنسان أن يتأمّل ما يعرفه من الفضيلة في نفسه أو في غيره من أهله، ثمّ يقيس ما أدركه منها إلى ما يشتمل عليه القرآن فيقضي بالحق والنصفة، فهل يتأتّى للقوّة البشريّة أن تختلق معارف إلهيّة مبرهنة تقابل ما أتى به القرآن وتماثله في الحقيقة؟ وهل يمكنها أن تأتي بأخلاق مبنيّة على أساس الحقائق تعادل ما أتى به القرآن في الصفاء والفضيلة؟
وهل يمكنها أن تشرع أحكاما تامّة فقهيّة تحصي جميع أعمال البشر من غير اختلاف يؤدّي إلى التناقض مع حفظ روح التوحيد وكلمة التقوى في كلّ حكم ونتيجته، وسريان الطهارة في أصله وفرعه؟ وهل يمكن أن يصدر هذا الإحصاء العجيب والإتقان الغريب من رجل أمّي لم يتربَّ إلا في حجر قوم حظُّهم من الإنسانيّة على مزاياها التي لا تحصى وكمالاتها التي لا تُغيّا أن يرتزقوا بالغارات والغزوات ونهب الأموال وأن يئدوا البنات ويقتلوا الأولاد خشيةَ إملاقٍ ويفتخروا بالآباء وينكحوا الأمهات ويتباهَوا بالفجور ويذمّوا العلم ويتظاهروا بالجهل وهم على أنفتهم وحميّتهم الكاذبة أذلّاء لكلّ مستذِلّ وخطفة لكل خاطف، فيومًا لليمن ويومًا للحبشة ويوما للروم ويوما للفرس؟ فهذا حال عرب الحجاز في الجاهليّة...) (الميزان في تفسير القرآن 1/60)، وليراجع البحث بأكمله في الميزان لتتمّ الفائدة؛ فقد استوفاه العلّامة (رحمه الله) خير استيفاء.
دمتم موفقين لكل خير